أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ
والمعنى أن قريشا جمعا جُمُوعًا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَقَالُوا نُقَدِّمُ أَتْبَاعَنَا إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمُقَابَلَتِهِمْ فَإِنْ كَانَ لِلْأَتْبَاعِ شَيْءٌ مِنَ الْفَتْحِ أَوْ حُصُولِ الْمَالِ كُنَّا شَرِيكَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أُصِيبُوا هَؤُلَاءِ بِالْقَتْلِ وَالْأَخْذِ وَالذِّلَّةِ أَعْطَيْنَا الْمُسْلِمِينَ الَّذِي سُئِلْنَا مِنَ الْخَرَاجِ أَوِ الْعَهْدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (إِلَّا أَنَمْتُمُوهُ) مِنْ أَنَامَ أَيْ قَتَلْتُمُوهُ
وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ
فَفِي مُسْلِمٍ فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا
قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ إِلَّا أَنَامُوهُ أَيْ مَا ظَهَرَ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلُوهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَسْكَنُوهُ بِالْقَتْلِ كَالنَّائِمِ يُقَالُ نَامَتِ الرِّيحُ سَكَنَتْ وَضَرَبَهُ حَتَّى سَكَنَ أَيْ مَاتَ وَنَامَتِ الشَّاةُ أَوْ غَيْرُهَا مَاتَتْ
قَالَ الْفَرَّاءُ النَّائِمَةُ الْمَيْتَةُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا جَاءَ مِنْ تَأْمِينِهِ لَهُمْ أَنَّ التَّأْمِينَ عُلِّقَ بِشَرْطٍ وَهُوَ تَرْكُ قُرَيْشٍ الْمُجَاهَرَةَ بِالْقِتَالِ فَلَمَّا جَاهَرُوا بِهِ وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ انْتَفَى التَّأْمِينُ (فَنَادَى مُنَادِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنَادٍ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ أَثْخَنُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ بِكَثْرَةٍ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ خَالِدًا قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ (مَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ) فَأَلْقَى النَّاسُ سِلَاحَهُمْ وَغَلَّقُوا أَبْوَابَهُمْ (وَعَمَدَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ قَصَدَ (صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ) أَيْ أَشْرَافُهُمْ وَأَعْضَادُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَالْوَاحِدُ صِنْدِيدٌ (فَغَصَّ بِهِمْ) أَيِ امْتَلَأَ الْبَيْتُ بِهِمْ وَازْدَحَمُوا حَتَّى صَارُوا كَأَنَّهُمُ احْتَبَسُوا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ لَا يَشْرُفَنَّ لَكُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَمْتُمُوهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا عَقَدَ لَهُمُ الْأَمَانَ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقِتَالِ وَأَنْ يُلْقُوا السِّلَاحَ فَإِنْ تَعَرَّضُوا لَهُ أَوْ لِأَصْحَابِهِ زَالَ الْأَمَانُ وَحَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا مُنْبَرِمًا فِي أَوَّلِ مَا بَذَلَ لَهُمُ الْأَمَانَ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَظْنُونًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَقْبَلُوا الْأَمَانَ وَيَمْضُوا عَلَى الصُّلْحِ وَبَيْنَ أَنْ يُحَارَبُوا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْبَةَ الْقِتَالِ وَدَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى يَقِينٍ وَلَا مِنْ وَفَائِهِمْ عَلَى ثِقَةٍ فَلِذَلِكَ عَرَضَ الِالْتِبَاسُ فِي أَمْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِلْكِ دُورِ مَكَّةَ وَرِبَاعِهَا وَكِرَاءِ بُيُوتِهَا فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ابْتَاعَ دَارَ السجن بأربعة الاف درهم وأباح طاؤس وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ بَيْعَ رِبَاعِ مَكَّةَ وَكِرَاءِ