للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ جَرَاءَةٌ عَلَى خَطَرٍ وَإِيقَاعٌ لِلنَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ وَالشَّرْعُ نَاهٍ عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى وَلَا تُلْقُوا بأيديكم إلى التهلكة (وَإِذَا وَقَعَ) أَيِ الطَّاعُونُ (وَأَنْتُمْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنْتُمْ (بِهَا) بِذَلِكَ الْأَرْضِ (فِرَارًا) أَيْ بِقَصْدِ الْفِرَارِ (مِنْهُ) فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنَ الْقَدَرِ وَهُوَ لَا يَنْفَعُ وَالثَّبَاتُ تَسْلِيمٌ لِمَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ اخْتِيَارٌ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِرَارًا بَلْ خَرَجَ لِنَحْوِ حَاجَةٍ لَمْ يَحْرُمْ

قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ (يَعْنِي الطَّاعُونُ) الطَّاعُونُ بِوَزْنِ فَاعُولٍ مِنَ الطَّعْنِ عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْتِ الْعَامِّ كَالْوَبَاءِ وَيُقَالُ طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُونٌ وَطَعِينٌ إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُونُ وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْنُ بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُونٌ هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ

وَقَالَ الْخَلِيلُ الطَّاعُونُ الْوَبَاءُ

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ وَالْأَبْدَانُ

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ الطَّاعُونُ الْوَجَعُ الْغَالِبُ الَّذِي يُطْفِئُ الرُّوحَ كَالذَّبْحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابِهِ وَسُرْعَةِ قَتْلِهِ

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِّيُّ هُوَ مَرَضٌ يَعُمُّ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضِ النَّاسِ وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ فَتَكُونُ الْأَمْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ

وَقَالَ عِيَاضٌ أَصْلُ الطَّاعُونِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ فِي الْجَسَدِ وَالْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ فَسُمِّيْتْ طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاكِ وَإِلَّا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا

وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ وَقَيْءٌ وَيَخْرُجُ غَالِبًا فِي الْمَرَاقِ وَالْآبَاطِ وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا الطَّاعُونُ مَادَّةٌ سُمَيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا يَحْدُثُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّخْوَةِ وَالْمَغَابِنِ مِنَ الْبَدَنِ وَأَغْلَبُ مَا تَكُونُ تَحْتَ الْإِبْطِ أَوْ خَلْفَ الْأُذُنِ أَوْ عِنْدَ الْأَرْنَبَةِ

قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

وَالْمُرَادُ بِالطَّاعُونِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِي الْهَرَبِ عَنْهُ الْوَعِيدُ هُوَ الْوَبَاءُ وَكُلُّ مَوْتٍ عَامٍّ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ إِثْبَاتُ الْحَذَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلتَّلَفِ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ إِثْبَاتُ التَّوَكُّلِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ وَالْآخَرُ تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ انْتَهَى

وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخْذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ هُوَ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ

وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ إِلَى بِلَادِ الطَّاعُونِ وَخَرَجَ عَنْهَا وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى خُرُوجِهِ من سرغ

<<  <  ج: ص:  >  >>