وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي هَذَا عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ لِأَنَّهَا قَدْ رَوَتْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي شَأْنِ يَهُودِيٍّ وَالْخَبَرُ الْمُفَسَّرُ أَوْلَى مِنَ الْمُجْمَلِ ثُمَّ احْتَجَّتْ لَهُ بِالْآيَةِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أن يكون ما رواه بن عُمَرَ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِلْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ أَهْلَهُمْ بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَيِّتُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَقْتَ حَيَاتِهِ انْتَهَى
(فَقَالَتْ) عَائِشَةُ (وَهِلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطَ وسهى
وَإِنْكَارُ عَائِشَةَ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْخَبَرِ لَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَحَمَلَتِ الْخَبَرَ عَلَى الْخَبَرِ الْمَعْلُومِ عِنْدهَا بِوَاسِطَةِ مَا ظَهَرَ لَهَا مِنَ اسْتِبْعَادِ أَنْ يُعَذَّبَ أَحَدٌ بِذَنْبِ آخَرَ وَقَدْ قَالَ تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لَكِنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَلَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا رَضِيَ الْمَيِّتُ بِبُكَائِهِمْ وَأَوْصَى بِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ دأبهم أنهم
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
والمعارضة التي ظنتها أم المؤمنين رضي الله عنها بين روايتهم وَبَيْن قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى} غَيْر لَازِمَة أَصْلًا
وَلَوْ كَانَتْ لَازِمَة لَزِمَ فِي رِوَايَتهَا أَيْضًا أَنَّ الْكَافِر يَزِيدهُ اللَّه بِبُكَاءِ أَهْله عَذَابًا فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَا يُعَذِّب أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْره الَّذِي لَا تَسَبُّب لَهُ فِيهِ
فَمَا تُجِيب بِهِ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِصَّة الْكَافِر يُجِيب بِهِ أَبْنَاؤُهَا عَنْ الْحَدِيث الَّذِي اِسْتَدْرَكَتْهُ عَلَيْهِمْ
ثُمَّ سَلَكُوا فِي ذَلِكَ طُرُقًا
أَحَدهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ أَوْصَى أَنْ يُنَاح عَلَيْهِ فَيَكُون النَّوْح بِسَبَبِ فِعْله وَيَكُون هَذَا جَارِيًا عَلَى الْمُتَعَارَف مِنْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة كَمَا قَالَ قَائِلهمْ إِذَا مُتّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَد وَهُوَ كَثِير فِي شِعْرهمْ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَسَبَّب إِلَى ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا غَيْرهَا فَلَا يَتَنَاوَلهُ الْحَدِيث
وَهَذَا ضَعِيف مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ اللَّفْظ عَامّ
الثَّانِي أَنَّ عُمَر وَالصَّحَابَة فَهِمُوا مِنْهُ حُصُول ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ
وَمِنْ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّة بِذَلِكَ حَرَام يَسْتَحِقّ بِهَا التَّعْذِيب نِيحَ عَلَيْهِ أَمْ لَا
وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلَّقَ التَّعْذِيب بِالنِّيَاحَةِ لَا بِالْوَصِيَّةِ
الْمَسْلَك الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ كَانَ النَّوْح مِنْ عَادَته وَعَادَة قَوْمه وَأَهْله وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَنُوحُونَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ
فَإِذَا لَمْ يَنْهَهُمْ كَانَ ذَلِكَ رضي مِنْهُ بِفِعْلِهِمْ وَذَلِكَ سَبَب عَذَابه وَهَذَا مَسْلَك الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَإِنَّهُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ إِذَا كَانَ النَّوْح مِنْ سُنَنه وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل
الْمَسْلَك الثَّالِث أَنَّ الْبَاء لَيْسَتْ بَاء السَّبَبِيَّة وَإِنَّمَا هِيَ بَاء الْمُصَاحَبَة
وَالْمَعْنَى يُعَذَّب مَعَ بُكَاء أَهْله عَلَيْهِ أَيْ يَجْتَمِع بكاء أهله وعذابه كقولك خَرَجَ زَيْد بِسِلَاحِهِ
قَالَ تَعَالَى {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ}