(أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ) أَيْ ضَامِنٍ (فَتَحَمَّلَ) أَيْ تَكَفَّلَ (فَأَتَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْغَرِيمِ وَالْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا رَدُّهُ الذَّهَبَ الَّذِي اسْتَخْرَجَهُ مِنَ الْمَعْدِنِ وَقَوْلُهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَخْ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِسَبَبٍ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ خَاصَّةً لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الذَّهَبَ الْمُسْتَخْرَجَ لَا يُبَاحُ تَمَوُّلُهُ وَتَمَلُّكُهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنَ الْمَعَادِنِ وَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ عَنْهَا الْحَقَّ وَهُوَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَعَادِنِ يَبِيعُونَ تُرَابَهَا مِمَّنْ يُعَالِجُهُ فَيَحْصُلُ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى هَلْ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا أَوْ لَا وَقَدْ كَرِهَ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعَادِنِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرٌ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ أَيْ لَيْسَ فِيهَا رَوَاجٌ وَلَا لِحَاجَتِنَا فِيهَا نَجَاحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ تَحَمَّلَهُ عَنْهُ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٌ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ تِبْرٌ غَيْرُ مَضْرُوبٍ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَضْرِبُهُ دَنَانِيرَ وَإِنَّمَا كَانَ تُحْمَلُ إِلَيْهِمُ الدَّنَانِيرُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ السِّكَّةَ فِي الْإِسْلَامِ وَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَهِيَ تُدْعَى الْمَرْوَانِيَّةَ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَيَدْخُلُهُ مِنَ الْغَرَرِ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُ مِنَ الْمَعْدِنِ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَخْرَجُوا بِالْعُشْرِ أَوِ الْخُمُسِ أَوِ الثُّلُثِ فَمَا يُصِيبُونَهُ وَهُوَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى هَلْ يُصِيبُ الْعَامِلُ فِيهِ شَيْئًا أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ يَظْفَرُ بِهِمَا أَمْ لَا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْحَمَالَةِ وَالضَّمَانِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عليه انتهى
قال المنذري وأخرجه بن ماجه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute