. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْعَالِيَة وَرَوَاهُ حَرْب مِنْ حَدِيث إِسْرَائِيل حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق عَنْ جَدَّته الْعَالِيَة يَعْنِي جَدَّة إِسْرَائِيل فَإِنَّهَا اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق قَالَتْ دَخَلْت عَلَى عَائِشَة فِي نِسْوَة فَقَالَتْ مَا حَاجَتكُنَّ فَكَانَ أَوَّل مَنْ سَأَلَهَا أُمّ مَحَبَّة فَقَالَتْ يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ تَعْرِفِينَ زَيْد بْن أَرْقَمَ قَالَتْ نَعَمْ
قَالَتْ فَإِنِّي بِعْته جَارِيَة لِي بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَم إِلَى الْعَطَاء وَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعهَا فَابْتَعْتهَا بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَم نَقْدًا
فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ غَضْبَى فَقَالَتْ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اِشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَاده مع رسول الله إِلَّا أَنْ يَتُوب وَأَفْحَمَتْ صَاحِبَتنَا فَلَمْ تَتَكَلَّم طَوِيلًا ثُمَّ إِنَّهُ سُهِّلَ عَنْهَا فَقَالَتْ يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت إِنْ لَمْ آخُذ إِلَّا رَأْس مَالِي فَتَلَتْ عَلَيْهَا {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَف}
فَلَوْلَا أَنَّ عِنْد أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمًا لَا تَسْتَرِيب فِيهِ أَنَّ هَذَا مُحَرَّم لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُول مِثْل هَذَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ قَدْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَمَل يَحْبَط بِالرِّدَّةِ وَأَنَّ اِسْتِحْلَال الرِّبَا أَكْفَر وَهَذَا مِنْهُ وَلَكِنَّ زَيْدًا مَعْذُور لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم أَنَّ هَذَا مُحَرَّم وَلِهَذَا قَالَتْ أَبْلِغِيهِ
وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون قَدْ قَصَدَتْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِر الَّتِي يُقَاوِم إِثْمهَا ثَوَاب الْجِهَاد فَيَصِير بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَة وَسَيِّئَة بِقَدْرِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَل شَيْئًا
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِجَزْمِ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مِنْ مَسَائِل الِاجْتِهَاد وَالنِّزَاع بَيْن الصَّحَابَة لَمْ تُطْلِق عَائِشَة ذَلِكَ عَلَى زَيْد فَإِنَّ الْحَسَنَات لَا تَبْطُل بِمَسَائِل الِاجْتِهَاد
وَلَا يُقَال فَزَيْد مِنْ الصَّحَابَة وَقَدْ خَالَفَهَا لِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُلْ هَذَا حَلَال بَلْ فَعَلَهُ وَفِعْل الْمُجْتَهِد لَا يَدُلّ عَلَى قَوْله عَلَى الصَّحِيح لِاحْتِمَالِ سَهْو أَوْ غَفْلَة أَوْ تَأْوِيل أَوْ رُجُوع وَنَحْوه وَكَثِيرًا مَا يَفْعَل الرجل الشيء ولا يعلم مفسدته فإذا نبه لَهُ اِنْتَبَهَ وَلَا سِيَّمَا أُمّ وَلَده فَإِنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة تَسْتَفْتِيهَا وَطَلَبَتْ الرُّجُوع إِلَى رَأْس مَالهَا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ الْعَقْد وَلَمْ يُنْقَل عَنْ زَيْد أَنَّهُ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّم ثُبُوت الْحَدِيث فَإِنَّ أُمّ وَلَد زَيْد مَجْهُولَة
قُلْنَا أُمّ وَلَده لَمْ تَرْوِ الْحَدِيث وَإِنَّمَا كَانَتْ هِيَ صَاحِبَة الْقِصَّة وَأَمَّا الْعَالِيَة فَهِيَ اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيِّ وَهِيَ مِنْ التَّابِعِيَّات وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة وَرَوَى عَنْهَا أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ أَعْلَم بِهَا
وَفِي الْحَدِيث قِصَّة وَسِيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَحْفُوظ وَأَنَّ الْعَالِيَة لَمْ تَخْتَلِق هَذِهِ الْقِصَّة وَلَمْ تَضَعهَا بَلْ يَغْلِب عَلَى الظَّنّ غَلَبَة قَوِيَّة صِدْقهَا فِيهَا وَحِفْظهَا لَهَا وَلِهَذَا رَوَاهَا عَنْهَا زَوْجهَا مَيْمُون وَلَمْ يَنْهَهَا وَلَا سِيَّمَا عِنْد مَنْ يَقُول رِوَايَة الْعَدْل عَنْ غَيْره تَعْدِيل لَهُ وَالْكَذِب لَمْ يَكُنْ فَاشِيًا فِي التَّابِعِينَ فُشُوّهُ فِيمَنْ بَعْدهمْ وَكَثِير مِنْهُمْ كَانَ يَرْوِي عَنْ أُمّه وَامْرَأَته مَا يُخْبِرهُنَّ بِهِ أَزْوَاج رَسُول اللَّه ويحتج به