وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِيهِ وَلَا الشَّرِكَةُ وَلَا الْمُصَالَحَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا لِبِنْتِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَوْ خَالَعَهَا لَمْ يَصِحَّ انْتَهَى
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَعَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَخَذَ مِنْهُ عَنْ دَيْن السَّلَم عَرْضًا أَوْ غَيْره أَسْقَطَ مَا فِي ذِمَّته
فَكَانَ كَالْمُسْتَوْفِي دَيْنه لِأَنَّ بَدَله يَقُوم مَقَامه
وَلَا يَدْخُل هذا في بيع الكالىء بالكالىء بِحَالٍ
وَالْبَيْع الْمَعْرُوف هُوَ أَنْ يَمْلِك الْمُشْتَرِي مَا اِشْتَرَاهُ
وَهَذَا لَمْ يُمَلِّكهُ شَيْئًا بَلْ سَقَطَ الدَّيْن مِنْ ذِمَّته
وَلِهَذَا لَوْ وَفَّاهُ مَا فِي ذِمَّته لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ بَاعَهُ دَرَاهِم بِدَرَاهِم بَلْ يُقَال وَفَّاهُ حَقّه بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ دَرَاهِم مُعَيَّنَة بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ بَيْع
فَفِي الْأَعْيَان إِذَا عَاوَضَ عَلَيْهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِعَيْنٍ غَيْر جِنْسهَا يُسَمَّى بَيْعًا
وَفِي الدَّيْن إِذَا وَفَّاهَا بِجِنْسِهَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا
فَكَذَلِكَ إِذَا وَفَّاهَا بِغَيْرِ جِنْسهَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا بَلْ هُوَ إِيفَاء فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَة
وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقّه غَدًا فَأَعْطَاهُ عَنْهُ عَرْضًا بَرَّ فِي أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ
وَجَوَاب آخَر أَنَّ النَّهْي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه أُرِيدَ بَيْعه مِنْ غَيْر بَائِعه
وَأَمَّا بَيْعه مِنْ الْبَائِع فَفِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّة فِي الْمَنْع إِنْ كَانَتْ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ اِطَّرَدَ الْمَنْع فِي الْبَائِع وَغَيْره وَإِنْ كَانَتْ عَدَم تَمَام الِاسْتِيلَاء وَأَنَّ الْبَائِع لَمْ تَنْقَطِع عَلَقه عَنْ الْمَبِيع بِحَيْثُ يَنْقَطِع طَمَعه فِي الْفَسْخ وَلَا يَتَمَكَّن مِنْ الِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ لَمْ يَطَّرِد النَّهْي فِي بَيْعه مِنْ بَائِعه قَبْل قَبْضه لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الْعِلَّة فِي حَقّه
وَهَذِهِ الْعِلَّة أَظْهَر وَتَوَالِي الضَّمَانَيْنِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مُؤَثِّرَة وَلَا تَنَافِي بَيْن كَوْن الْعَيْن الْوَاحِدَة مَضْمُونَة لَهُ مِنْ وَجْه وَعَلَيْهِ مِنْ وَجْه آخَر فَهِيَ مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ بِاعْتِبَارَيْنِ
وَأَيّ مَحْذُور فِي هَذَا كَمَنَافِع الْإِجَارَة
فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِر لَهُ أَنْ يُؤَجِّر مَا اِسْتَأْجَرَهُ فَتَكُون الْمَنْفَعَة مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَالثِّمَارِ بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا لَهُ أَنْ يَبِيعهَا عَلَى الشَّجَر وَإِنْ أَصَابَتْهَا جَائِحَة رَجَعَ عَلَى الْبَائِع فَهِيَ مَضْمُونَة لَهُ وَعَلَيْهِ وَنَظَائِره كَثِيرَة
وَأَيْضًا فَبَيْعه مِنْ بَائِعه شَبِيه بِالْإِقَالَةِ وَهِيَ جَائِزَة قَبْل الْقَبْض عَلَى الصِّحَّة
وَأَيْضًا فَدَيْن السَّلَم تَجُوز الْإِقَالَة فِيهِ بِلَا نِزَاع وَبَيْع الْمَبِيع لِبَائِعِهِ قَبْل قَبْضه غَيْر جَائِز فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ
فَعُلِمَ أَنَّ الْأَمْر فِي دَيْن السَّلَم أَسْهَل مِنْهُ فِي بَيْع الْأَعْيَان
فَإِذَا جَازَ فِي الْأَعْيَان أَنْ تُبَاع لِبَائِعِهَا قَبْل الْقَبْض فَدَيْن السَّلَم أَوْلَى بِالْجَوَازِ كَمَا جَازَتْ الْإِقَالَة فِيهِ قَبْل الْقَبْض اِتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِقَالَة فِي الْأَعْيَان
وَمِمَّا يُوَضِّح ذَلِكَ أن بن عَبَّاس لَا يُجَوِّز بَيْع الْمَبِيع قَبْل قَبْضه واحتج عليه بنهي النبي عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه وَقَالَ أَحْسِب كُلّ شَيْء بِمَنْزِلَةِ الطَّعَام وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْع دَيْن السَّلَم مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَرْبَح فِيهِ
وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الطَّعَام وَغَيْره وَلَا بَيْن الْمَكِيل وَالْمَوْزُون وَغَيْرهمَا
لِأَنَّ الْبَيْع هُنَا مِنْ الْبَائِع الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّته
فَهُوَ يَقْبِضهُ مِنْ نَفْسه لِنَفْسِهِ بَلْ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ هُنَا قَبْض بَلْ يَسْقُط عَنْهُ مَا فِي ذِمَّته فَتَبْرَأ ذِمَّته وَبَرَاءَة الذِّمَم مَطْلُوبَة فِي نَظَر الشَّرْع لِمَا فِي شَغْلهَا مِنْ الْمَفْسَدَة فَكَيْف يَصِحّ قِيَاس هَذَا عَلَى بَيْع شَيْء غَيْر مَقْبُوض لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَتَحَصَّل بَعْد وَلَمْ تَنْقَطِع عَلَق بَائِعه عَنْهُ