بيع الطعام قبل قبضه وقال أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ومع هذا فقد ثبت عنه أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه ولم يفرق بين الطعام وغيره ولا بين المكيل والموزون وغيرهما لأن البيع هنا من البائع الذي هو في ذمته فهو يقبضه من نفسه لنفسه بل في الحقيقة ليس هنا قبض بل يسقط عنه ما في ذمته فتبرأ ذمته وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة فكيف يصح قياس هذا على بيت شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد ولم تنقطع علق بائعه عنه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
بَاعَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِحَالٍ
لِأَنَّهُ مَقْبُوض فِي ذِمَّة الْمُسْلَم إِلَيْهِ فَمِنْ أَيّ وَجْه يَكُون مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِع بَلْ لَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ لَكَانَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَى الْمُسْلَم إِلَيْهِ وَمَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ فَيَتَوَالَى ضَمَانَانِ
الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّهُ لَا مَحْذُور فِي توالي الضمانين
وليس يوصف مُسْتَلْزِم لِمَفْسَدَةٍ يَحْرُم الْعَقْد لِأَجْلِهَا
وَأَيْنَ الشَّاهِد مِنْ أُصُول الشَّرْع لِتَأْثِيرِ هَذَا الْوَصْف وَأَيّ حُكْم عَلَّقَ الشَّارِع فَسَاده عَلَى تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْ الْأَوْصَاف هَكَذَا فَهُوَ طَرْدِيّ لَا تَأْثِير لَهُ
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْر الصُّوَر الَّتِي فِيهَا تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النبي أَنَّهُ جَوَّزَ الْمُعَاوَضَة عَنْ ثَمَن الْمَبِيع فِي الذِّمَّة
وَلَا فَرْق بَيْنه وَبَيْن دَيْن السَّلَم
قَالُوا وَأَيْضًا فَالْمَبِيع إِذَا تَلِفَ قَبْل التَّمَكُّن مِنْ قَبْضه كَانَ عَلَى الْبَائِع أَدَاء الثَّمَن الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي
فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاء الثَّمَن الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَالْوَاجِب بِضَمَانِ هَذَا غَيْر الْوَاجِب بِضَمَانِ الْآخَر
فَلَا مَحْذُور فِي ذَلِكَ
وَشَاهِده الْمَنَافِع فِي الْإِجَارَة وَالثَّمَرَة قَبْل الْقَطْع
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا مُعَارِض لَهَا وَضْع الثَّمَن عَنْ الْمُشْتَرِي إِذَا أَصَابَتْهَا جَائِحَة
مَعَ هَذَا يَجُوز التَّصَرُّف فيها
ولو تلقت لَصَارَتْ مَضْمُونَة عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ كَمَا هِيَ مَضْمُونَة لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ
قَالُوا وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الْمَنْع مِنْهُ إِجْمَاع فَكَيْف يَصِحّ دَعْوَى الْإِجْمَاع مَعَ مُخَالَفَة حَبْر الْأُمَّة بن عَبَّاس وَعَالِم الْمَدِينَة مَالِك بْن أَنَس فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا نَصّ فِي التَّحْرِيم وَلَا إِجْمَاع وَلَا قِيَاس وَأَنَّ النَّصّ وَالْقِيَاس يَقْتَضِيَانِ الْإِبَاحَة كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَاجِب عِنْد التَّنَازُع الرَّدّ إِلَى الله وإلى رسوله صلى الله عليع وَسَلَّمَ فَصْل
وَأَمَّا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِيَ إِذَا اِنْفَسَخَ الْعَقْد بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرهَا فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَأْخُذ عَنْ دَيْن السَّلَم عِوَضًا مِنْ غَيْر جِنْسه فِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدهمَا لَا يَجُوز ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضهُ ثُمَّ يَصْرِفهُ فِيمَا شَاءَ وَهَذَا اِخْتِيَار الشَّرِيف أَبِي جَعْفَر
وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة
وَالثَّانِي يَجُوز أَخْذ الْعِوَض عَنْهُ وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَشَيْخ الْإِسْلَام بن تَيْمِيَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَهُوَ الصَّحِيح فَإِنَّ هَذَا عِوَض مُسْتَقِرّ فِي الذِّمَّة فَجَازَتْ الْمُعَاوَضَة عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُون مِنْ الْقَرْض وَغَيْره