وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنْ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا قَالُوا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَدَفَعَهُ إِلَى غُرَمَائِهِ فَلَوْ كَانَتْ تُوضَعُ لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى ذَلِكَ
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بَعْدَ أَوَانِ الْجَذَاذِ وَتَفْرِيطِ الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي
قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتِ الْجَوَائِحُ لَا تُوضَعُ لَكَانَ لَهُمْ طَلَبُ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ
وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَكُمُ الْآنَ إِلَّا هَذَا وَلَا تَحِلُّ لَكُمْ مُطَالَبَتُهُ مَا دَامَ مُعْسِرًا بَلْ يُنْظَرُ إِلَى مَيْسَرَةٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[٣٤٧٠] (إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ تَمْرًا) بِالْمُثَنَّاةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (فَلَا يَحِلُّ لَكَ إِلَخْ) قال القارىء الْحَقُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ مَعَ الْإِمَامِ مَالِكٍ (أَيْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ مِنْ دُونِ اعْتِبَارِ خُصُوصِ مَذْهَبِهِ كَمَا لَا يَخْفَى) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا قَبْلَ الزَّهْوِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَيُوضَع ذَلِكَ الْخَرَاج عَنْهُمْ فَأَمَّا فِي الْأَشْيَاء الْمَبِيعَات فَلَا
وَهَذَا كَلَام فِي غَايَة الْبُطْلَان وَلَفْظ الْحَدِيث لَا يَحْتَمِلهُ بِوَجْهٍ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَصِحّ حَمْل الْحَدِيث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ خَرَاج
وَمِنْهَا إِنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى إِصَابَة الْجَائِحَة قَبْل الْقَبْض وَهُوَ تَأْوِيل بَاطِل لِأَنَّهُ خَصَّ بِهَذَا الْحُكْم الثِّمَار وَعَمَّ بِهِ الْأَحْوَال وَلَمْ يُقَيِّدهُ بِقَبْضٍ وَلَا عَدَمه
وَمِنْهَا أَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى مَعْنَى حَدِيث أَنَس أَرَأَيْت إِنْ مَنَعَ اللَّه الثَّمَرَة فَبِمَ يَأْخُذ أَحَدكُمْ مَال أَخِيهِ وَهَذَا فِي بَيْعهَا قَبْل بُدُوّ صَلَاحهَا
وَهَذَا أَيْضًا تَأْوِيل بَاطِل وَسِيَاق الْحَدِيث يُبْطِلهُ
فَإِنَّهُ عَلَّلَ بِإِصَابَةِ الجائحة لا بغير ذلك