للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(يُحْلَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَالظَّهْرُ) أَيْ ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَقِيلَ الظَّهْرُ الْإِبِلُ الْقَوِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ

وَلَعَلَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِرُكُوبِ الظَّهْرِ (يُرْكَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ

وَقَوْلُهُ يُحْلَبُ وَيُرْكَبُ هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى والوالدات يرضعن أولادهن (وَعَلَى الَّذِي يُحْلَبُ وَيُرْكَبُ النَّفَقَةُ) وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فَاعِلَ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا إِجْمَالَ بَلِ الْمُرَادُ الْمُرْتَهِنُ بِقَرِينَةِ أَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مِلْكًا وَالْمُرَادُ هُنَا الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنِ الْمَالِكُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ بَلِ الْفَوَائِدُ لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَنُ عَلَيْهِ

كَذَا فِي النَّيْلِ

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى الَّذِي يُحْلَبُ ويُرْكَبُ النَّفَقَةُ أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قال يجوز للمرتهن الانتفاع بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَصْلَحَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةٍ قَالُوا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ

وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَالِ فِيهِ فَقَدْ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِكَوْنِهِ مَالِكَ رَقَبَتِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُنْفِقًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَفِعُ مِنَ الْمَرْهُونِ بِشَيْءٍ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّجْوِيزُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَشْرَبَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لَا بالقيمة

قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ انْتَهَى

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مُمْكِنٌ

وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الإنفاق على

<<  <  ج: ص:  >  >>