لَأَجَّنَّحُ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَالنُّونِ أَصْلُهُ أَتَجَنَّحُ تَفَعُّلٌ مِنَ الْجُنَاحِ أَيْ أَرَى الْأَكْلَ مِنْهُ جُنَاحًا وَإِثْمًا (أَنْ آكُلَ مِنْهُ) أَيْ أَرَى الْأَكْلَ مِنْ طَعَامِكَ جُنَاحًا وَإِثْمًا وَذَلِكَ لِأَجْلِ آيَةِ النِّسَاءِ (وَالتَّجَنُّحُ الْحَرَجُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنَ الْمُؤَلِّفِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالْحَرَجُ الضِّيقُ وَالْمُرَادُ بِهِ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الضِّيقِ أَيِ الْحُرْمَةِ وَالْإِثْمِ (وَيَقُولُ) ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَدْعُوُّ لِلرَّجُلِ الْغَنِيِّ الدَّاعِي أَيْضًا (الْمِسْكِينُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الطَّعَامِ (مِنِّي) فَأَعْطِهِ الْمِسْكِينَ (فَأُحِلَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي فِي النُّورِ (أَنْ يَأْكُلُوا) مِنْ مَالِ غَيْرِهِمْ إِذَا كَانَ الْغَيْرُ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ (مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عليه) بِخِلَافِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحِلِّ لِكَوْنِهِ بَاقِيًا عَلَى حُرْمَتِهِ كَمَا كَانَ (وَأُحِلَّ) فِي ذَلِكَ (طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَيْضًا أَنْ يُؤْكَلَ كَمَا أُحِلَّ فِي ذَلِكَ طَعَامُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْكَلَ لِكَوْنِ الْآيَةِ عَامَّةً غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فإن آبائكم وَأُمَّهَاتِكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ وَأَعْمَامَكُمْ وَعَمَّاتِكُمْ وَأَخْوَالَكُمْ وَخَالَاتِكُمْ وَمَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ وَصَدِيقَكُمُ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلَّهَا عَامَّةٌ شَامِلَةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ غَيْرُ مُخْتَصَّةِ بأحدهما وكذا لفظ كم فِي بُيُوتِكُمُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ بُيُوتُ أَوْلَادِكُمْ
فَهَذَا الْبَابُ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَمُؤَيِّدٌ لِمَعْنَاهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ آيَةِ النِّسَاءِ يَدُلُّ عَلَى نسخ أكل الضيافة على ما قاله بن عَبَّاسٍ فَأَثْبَتَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمَ جَوَازِ الضِّيَافَةِ بِآيَةِ النُّورِ وَجَعَلَ حُكْمَ آيَةِ النِّسَاءِ مَنْسُوخًا بِآيَةِ النُّورِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ حُكْمُ جَوَازِ الضِّيَافَةِ وَنَسْخُ عَدَمِ جَوَازِهَا فَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيِّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ تَحْتَ بَابِ مَا جَاءَ فِي الضِّيَافَةِ وَقَدْ نُسِخَ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَابِ الَّذِي عَقَدَهُ بَعْدَهَا انْتَهَى لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى كَلَامِهِ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي كَيْفَ يَكُونُ الْبَابُ الثَّانِي نَاسِخًا لِحُكْمِ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ فِيهِ حُكْمُ وُجُوبِ الضِّيَافَةِ وَالْبَابَ الثَّانِي فِيهِ نَفْيُ الْحَرَجِ وَالْإِثْمِ عَنِ الضِّيَافَةِ فَالْأَمْرُ الْوَاجِبُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ إِنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلَا حَرَجٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخٌ لِلْوُجُوبِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ بُعْدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute