للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ وَقِيلَ هُوَ التَّفْلُ بِعَيْنِهِ نَفَثَ الرَّاقِي (وَصَبَّهُ) أَيْ وَصَبَّ ذَلِكَ التُّرَابَ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَالْمَعْنَى أَيْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ رَمَى بِالْمَاءِ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ التُّرَابَ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمَاءَ أَوَّلًا فِي فِيهِ لِيُخَالِطَ الْمَاءَ بريق رسول الله وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَاءَ نُفِثَ أَيْ رُمِيَ عَلَى التُّرَابِ مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِهِ فِي فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْ رُشَّ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الطِّينُ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ

وَيُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ قَالَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ أَيْ أَحَدُ رُوَاتِهِ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى سَقِيمُنَا بإذن ربنا

قال الحافظ بن الْقَيِّمِ هَذَا مِنَ الْعِلَاجِ السَّهْلِ الْمُيَسَّرِ النَّافِعِ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ مُعَالَجَةٌ لَطِيفَةٌ يُعَالَجُ بِهَا الْقُرُوحُ وَالْجِرَاحَاتُ الطَّرِيَّةُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ إِذْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِكُلِّ أَرْضٍ

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ طَبِيعَةَ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ مُجَفِّفَةٌ لِرُطُوبَاتِ الْجُرُوحِ وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي تَمْنَعُ الطَّبِيعَةُ مِنْ جَوْدَةِ فِعْلِهَا وَسُرْعَةِ انْدِمَالِهَا لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارَّةِ فَإِنَّ الْقُرُوحَ وَالْجِرَاحَاتِ يَتْبَعُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ سُوءُ مِزَاجٍ حَارٍّ فَيَجْتَمِعُ حَرَارَةُ الْبَلَدِ وَالْمِزَاجِ وَالْجِرَاحِ وَطَبِيعَةُ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ أَشَدُّ مِنْ بُرُودَةِ جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الْبَارِدَةِ فَيُقَابِلُ بُرُودَةُ التُّرَابِ حَرَارَةَ الْمَرَضِ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ التُّرَابُ قَدْ غُسِلَ وَجُفِّفَ وَيَتْبَعُهَا أَيْضًا كَثْرَةُ الرُّطُوبَاتِ الرَّدِيَّةِ وَالسَّيْلَانِ

وَالتُّرَابُ مُجَفِّفٌ لَهَا مُزِيلٌ لِشِدَّةِ يُبْسِهِ وَتَجْفِيفِهِ لِلرُّطُوبَةِ الرَّدِيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ بَرْدِهَا وَيَحْصُلُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ تَعْدِيلُ مِزَاجِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ وَمَتَى اعْتَدَلَ مِزَاجُ الْعُضْوِ قَوِيَتْ قُوَاهُ الْمُدَبِّرَةُ وَدَفَعَتْ عَنْهُ الْأَلَمَ بِإِذْنِ اللَّهِ

وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَكَةِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فَيَنْضَمُّ أَحَدُ الْعِلَاجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ فَيَقْوَى التَّأْثِيرُ

وَهَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا جَمِيعُ الْأَرْضِ أَوْ أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً فِيهِ قَوْلَانِ

وَلَا رَيْبَ أَنَّ مِنَ التُّرْبَةِ مَا يَكُونُ فِيهِ خَاصِّيَّةٌ يُنْفَعُ بِهَا مِنْ أَدْوَاءٍ كَثِيرَةٍ وَيَشْفِي بِهَا أَسَقَامًا رَدِيَّةً

قَالَ جَالِينُوسُ رَأَيْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَطْحُولِينَ وَمُسْتَسْقِينَ كَثِيرًا يَسْتَعْمِلُونَ طِينَ مِصْرَ وَيَطْلُونَ بِهِ عَلَى سُوقِهِمْ وَأَفْخَاذِهِمْ وَسَوَاعِدِهِمْ وَظُهُورِهِمْ وَأَضْلَاعِهِمْ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ مَنْفَعَةً بَيِّنَةً

قَالَ وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ قَدْ يَقَعُ هَذَا الطِّلَاءُ لِلْأَوْرَامِ الْعَفِنَةِ وَالْمُتَرَهِّلَةِ الرَّخْوَةِ قَالَ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ قَوْمًا تَرَهَّلَتْ أَبْدَانُهُمْ كُلُّهَا مِنْ كَثْرَةِ اسْتِفْرَاغِ الدَّمِ مِنْ أَسْفَلَ انْتَفَعُوا بِهَذَا الطِّينِ نَفْعًا بَيِّنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>