الرِّوَايَةَ الْأُولَى اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي أَيْ فَسَكَتَ أَوَّلًا ثُمَّ قُلْتُ نَعَمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا ذَرٍّ) الثُّكْلُ فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا أَيْ فَقَدَتْكَ أُمُّكَ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يُرَادُ بِهَا الدُّعَاءُ وَكَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الدُّعَاءَ وَالْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ (فَجَاءَتْ بِعُسٍّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَدَحُ الْعَظِيمُ وَالرِّفْدُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَجَمْعُهُ عِسَاسٌ (فَسَتَرَتْنِي بِثَوْبٍ) أَيْ مِنْ جَانِبٍ (وَاسْتَتَرْتُ) أَنَا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ (بِالرَّاحِلَةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ الْمَرْكَبُ مِنَ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (فَكَأَنِّي أَلْقَيْتُ عَنِّي جَبَلًا) شَبَّهَ الْجَنَابَةَ بِالْجَبَلِ فِي الثِّقَلِ
يَقُولُ لَمَّا أَجْنَبْتُ وَمَا وَجَدْتُ الْمَاءَ كنت لعدم الاغتسال مكدر أَوْ مُنْقَبِضَ النَّفْسِ كَأَنَّ عَلَى رَأْسِي الْجَبَلَ فَلَمَّا اغْتَسَلْتُ زَالَ عَنِّي ذَلِكَ الثِّقَلُ فَكَأَنِّي طَرَحْتُ عَنِّي الْجَبَلَ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ) قَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الصَّعِيدِ
قَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِفْرِيقِيُّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَالصَّعِيدُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ وَقِيلَ الْأَرْضُ الْمُرْتَفِعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ وَقِيلَ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ رَمْلٌ وَلَا سَبَخَةٌ وَقِيلَ وَجْهُ الأرض لقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا وَقِيلَ الصَّعِيدُ الْأَرْضُ وَقِيلَ الْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ تُرَابٍ طَيِّبٌ
وَفِي التَّنْزِيلِ (فَتَيَمَّمُوا صعيدا طيبا) وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى صَعِيدًا جُرُزًا الصَّعِيدُ التُّرَابُ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إِلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ
فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ وَإِنْ خَالَطَهُ تُرَابٌ أَوْ مَدَرٌ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ كَانَ الَّذِي خَالَطَهُ الصَّعِيدَ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِالنَّوْرَةِ وَبِالْكُحْلِ وَبِالزِّرْنِيخِ وَكُلُّ هَذَا حِجَارَةٌ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ
قَالَ وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ وَجْهَ الأرض ولايبالي أَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ تُرَابٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الصَّعِيدَ لَيْسَ هُوَ التُّرَابُ وَإِنَّمَا هُوَ وجه الأرض ترابا كان أوغيره
قَالَ وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا كَانَتْ كُلَّهَا صَخْرًا لَا تُرَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ ضَرَبَ الْمُتَيَمِّمُ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّخْرِ لَكَانَ ذَلِكَ طَهُورًا إِذَا مسح به وجه
قال الله تعالى فتصبح صعيدا لِأَنَّهُ نِهَايَةُ مَا يُصْعَدُ إِلَيْهِ
مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ أَحْسَبُهُ مذهب مالك ومن قال يقوله وَلَا أَسْتَيْقِنُهُ
قَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ لِلْحَدِيقَةِ إِذَا خربت وذهب شجراؤها قَدْ صَارَتْ صَعِيدًا أَيْ أَرْضًا مُسْتَوِيَةً لَا شجر فيها
وقال بن الْأَعْرَابِيِّ الصَّعِيدُ الْأَرْضُ بِعَيْنِهَا وَالصَّعِيدُ الطَّرِيقُ سُمِّيَ بِالصَّعِيدِ مِنَ التُّرَابِ انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّعِيدُ التُّرَابُ أَوْ وَجْهُ الْأَرْضِ
وَفِي تَاجِ الْعَرُوسِ شَرْحِ الْقَامُوسِ مِثْلُ مَا فِي اللِّسَانِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ