النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَارَةً عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَتَارَةً عَمَّنْ قَرَأَ الْكِتَابَ ثُمَّ الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِتَقْيِيدِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ التَّرْجِيحُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ ثُمَّ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ بِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا بَعْدَهُ حَمَلَهُ عَلَى ذلك بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح بعد ما تَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَأَنَّهَا عَنْ سَمَاعٍ وَهَذَا عَنْ كِتَابَةٍ وَأَنَّهَا أَصَحُّ مَخَارِجٍ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْإِهَابِ عَلَى الجلد قَبْلَ الدِّبَاغِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا يُسَمَّى إِهَابًا إِنَّمَا يُسَمَّى قِرْبَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ كَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ انْتَهَى
وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ أَيْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الميتة بإهاب ولا عصب ولكن ثم تَرَكَ الْحَدِيثَ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَيَجِيءُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي عِبَارَةِ الْمُنْذِرِيِّ (إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ قِرْبَةً خَلِقَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَازِمٍ الْحَافِظُ وَقَدْ حَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدهمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة لَمْ يَذْكُرهَا أَحَد مِنْ أَهْل السُّنَن فِي هَذَا الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذَكَرهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ خَالِد الْحَذَّاء وَشُعْبَة عَنْ الْحَكَم فَلَمْ يَذْكُرَا كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فَهَذِهِ اللَّفْظَة فِي ثُبُوتهَا شَيْء
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الرُّخْصَة كَانَتْ مُطْلَقَة غَيْر مُقَيَّدَة بِالدِّبَاغِ وَلَيْسَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ ذِكْر الدِّبَاغ وَلِهَذَا كَانَ يُنْكِرهُ وَيَقُول نَسْتَمْتِع بِالْجِلْدِ عَلَى كُلّ حَال فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَخِيرًا وَأَحَادِيث الدِّبَاغ قِسْم آخَر لَمْ يَتَنَاوَلهَا النَّهْي وَلَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَة وَهَذِهِ أَحْسَن الطُّرُق
وَلَا يُعَارِض مِنْ ذَلِكَ نَهْيه عَنْ جُلُود السِّبَاع فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ مُلَابَسَتهَا بِاللُّبْسِ وَالِافْتِرَاش كَمَا نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومهَا لِمَا فِي أَكْلهَا وَلُبْس جُلُودهَا مِنْ الْمَفْسَدَة وَهَذَا حُكْم لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَلَا نَاسِخ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ حُكْم اِبْتِدَائِيّ رَافِع لِحُكْمِ الِاسْتِصْحَاب الْأَصْلِيّ
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَة تَأْتَلِف السُّنَن وَتَسْتَقِرّ كُلّ سَنَة مِنْهَا فِي مُسْتَقَرّهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق