(ذلك) صفة مقامه إشارة إلى زمانه وَقَوْلُهُ (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) غَايَةً لِيَكُونُ وَالْمَعْنَى قَامَ قَائِمًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يُحَدِّثُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (إِلَّا حَدَّثَهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْكَائِنَ (حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ) أَيِ الْمُحَدَّثُ بِهِ (قَدْ عَلِمَهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَامَ أَوْ هَذَا الْكَلَامَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ (هَؤُلَاءِ) أَيِ الْمَوْجُودُونَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ مُفَصَّلًا لِمَا وَقَعَ لَهُمْ بَعْضُ النِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِ وأناالآخر مِمَّنْ نَسِيَ بَعْضَهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَيَكُونَ) مِنْهُ الشَّيْءُ وَاللَّامُ فِي لَيَكُونَ مَفْتُوحَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ وَالْمَعْنَى لَيَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَسِيتُهُ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِنَّهُ لَيَكُونَ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ (فَأَذْكُرُهُ) أَيْ فَإِذَا عَايَنْتُهُ تَذَكَّرْتُ مَا نَسِيتُهُ (إِذَا غَابَ عَنْهُ) أَيْ ثُمَّ ينسى
وفيه كمال علمه بِمَا يَكُونُ وَكَمَالُ عِلْمِ حُذَيْفَةَ وَاهْتِمَامِهِ بِذَلِكَ وَاجْتِنَابِهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْفِتَنِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْهَوَى عَلَى إِثْبَاتِ الغيب لرسول الله
وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَى لسان رسول الله فَمِنَ اللَّهِ بِوَحْيٍ وَالشَّاهِدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلا من ارتضى من رسول أَيْ لِيَكُونَ مُعْجِزَةً لَهُ
فَكُلُّ مَا وَرَدَ عنه مِنَ الْأَنْبَاءِ الْمُنْبِئَةِ عَنِ الْغُيُوبِ لَيْسَ هُوَ إِلَّا مِنْ إِعْلَامِ اللَّهِ لَهُ بِهِ إِعْلَامًا عَلَى ثُبُوتِ نُبُوَّتِهِ وَدَلِيلًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ
قال على القارىء فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَعْلَمُوا الْمُغَيَّبَاتِ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ شَقِيق عَنْ حُذَيْفَة قَالَ كُنَّا عِنْد عُمَر فَقَالَ أَيّكُمْ يَحْفَظ حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَة كَمَا قَالَ قَالَ قُلْت أَنَا
قَالَ إِنَّك لَجَرِيء
قَالَ وَكَيْف قَالَ قُلْت سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِتْنَة الرَّجُل فِي أَهْله وَمَاله وَنَفْسه وَوَلَده وَجَاره يُكَفِّرهَا الصِّيَام وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَقَالَ عُمَر لَيْسَ هَذَا أُرِيد وَإِنَّمَا أُرِيد الَّتِي تَمُوج كَمَوْجِ الْبَحْر
قال فقلت ومالك وَلَهَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنك وَبَيْنهَا بَابًا مُغْلَقًا
قَالَ أَفَيُكْسَر الْبَاب أَمْ يُفْتَح قَالَ قُلْت لَا بَلْ يُكْسَر قَالَ ذَلِكَ أحرى أن لا يُغْلَق أَبَدًا
قَالَ فَقُلْنَا لِحُذَيْفَة هَلْ كَانَ عُمَر يَعْلَم مَنْ الْبَاب قَالَ نَعَمْ كَمَا يَعْلَم أَنَّ دُون غَد لَيْلَة
إِنِّي حَدَّثْته حديثا ليس بالأغاليظ
قَالَ فَهَبْنَا أَنْ نَسْأَل حُذَيْفَة مَنْ الْبَاب فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ
فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَر