يَهْلِكُوا يَعْنِي بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَبِالْمَعَاصِي وَالْمَظَالِمِ وَتَرْكِ الْحُدُودِ وَإِقَامَتِهَا وَقَوْلُهُ فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ أَيْ فَسَبِيلُهُمْ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْوَهْنِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ لِعَدَمِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْوَهْنِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
وَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ وَالشَّيْخِ مَعْنَاهُ فَإِنْ يَهْلِكُوا بِتَرْكِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ بِذَلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ بِإِقَامَةِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا
هَكَذَا قَرَّرَ الْأَرْدَبِيلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ الْهَلَاكُ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ سَمَّى أَسْبَابَ الْهَلَاكِ وَالِاشْتِغَالَ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ هَلَاكًا
فَإِنْ قُلْتَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَوْعِدَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ إِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ إِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا وَهَذَانِ الْمَوْعِدَانِ لَا يُوجَدَانِ مَعًا بَلْ إِنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ لَا يُوجَدُ الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ الثَّانِي لَا يُوجَدُ الْأَوَّلُ فَأَيٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْعِدَيْنِ وُجِدَ ووقع
قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ وَقَعَ الْمَحْذُورُ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى الْآنَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَا ظَهَرَ وَجَرَى مَا جَرَى فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْمَوْعِدُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْمُلْكُ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَذَا مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَانْتِقَالَهُ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ مَا بَيْنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ دُعَاةُ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَوْعِدَ الثَّانِي قَدْ وَقَعَ
قُلْتُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلِذَلِكَ تُعُقِّبَ عَلَيْهِ من وجوه
قال بن الْأَثِيرِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ هَذَا التَّأْوِيلُ كَمَا تَرَاهُ فَإِنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعِينَ سَنَةً وَلَا كَانَ الدِّينُ فِيهَا قَائِمًا انْتَهَى
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ وَضَعَّفُوهُ بِأَنَّ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ أَلْفَ شَهْرٍ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ أَيِ الْخَطَّابِيَّ فَإِنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ الْحَدِيثَ كُلَّ