للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي التَّوْبَةِ وَإِخْرَاجِ رُبْعِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ (لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخرة) أي من عذب منهم لا تعذب مِثْلَ عَذَابِ الْكُفَّارِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا عَذَابَ عَلَيْهَا فِي عُمُومِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لَا يَمَسُّهَا النَّارُ فَتَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ

وَقَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ إِنَّ الْغَالِبَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الْمَغْفِرَةِ

وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَلْ غَالِبُ عَذَابِهُمْ أَنَّهُمْ مَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِالْمِحَنِ وَالْأَمْرَاضِ وَأَنْوَاعِ الْبَلَايَا كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ يَعْمَلْ سوءا يجز به) انْتَهَى (عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ) أَيِ الْحُرُوبُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَهُمْ (وَالزَّلَازِلُ) أَيِ الشَّدَائِدُ وَالْأَهْوَالُ (وَالْقَتْلُ) أَيْ قَتْلُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَخَفُّ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ

قَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّ شَأْنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ جَارٍ عَلَى مِنْهَاجِ الْعَدْلِ وَأَسَاسِ الرُّبُوبِيَّةِ وَشَأْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَاشٍ عَلَى مَنْهَجِ الفضل وجود الإلهية

قال القارىء وَقِيلَ الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِجَمَاعَةٍ لَمْ تَأْتِ كَبِيرَةً وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى جَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْمُشَاهَدُونَ مِنِ الصَّحَابَةِ أَوِ الْمَشِيئَةِ مُقَدَّرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء وَقَالَ الْمُظْهِرُ هَذَا حَدِيثٌ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُعَذَّبَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً فِيهِ مَنِ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ وَغَيْرُهُ فَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِتَعْذِيبِ مُرْتَكِبِ الكبيرة اللهم إلا أن يأول بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ هُنَا مَنِ اقْتَدَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَنْبَغِي وَيَمْتَثِلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَاهُ

وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي مَدْحِ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِصَاصِهِمْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ بِعِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ إِنْ أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ فِي الدُّنْيَا حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا أَنَّ اللَّهَ يُكَفِّرُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ ذَنْبًا مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ لِسَائِرِ الْأُمَمِ وَيُؤَيِّدُهُ ذِكْرُ هَذِهِ وَتَعْقِيبُهَا بِقَوْلِهِ مَرْحُومَةٌ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَزِيَّةِ تَمْيِيزِهِمْ بِعِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَالذَّهَابُ إِلَى الْمَفْهُومِ مَهْجُورٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ وَهَذِهِ الرَّحْمَةُ هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شيء فسأكتبها للذين يتقون إِلَى قَوْلِهِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ انتهى

قال القارىء وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدَ أَرْبَابِ الْحَالِ أَنَّ رَحْمَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ إِمَّا بِالشَّفَاعَةِ وَإِمَّا بِعَفْوِ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ وَهَذَا مَنْطُوقُ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ الْمَأْخُوذُ مِنَ أَلْفَاظِهِ وَمَبْنَاهُ وَلَيْسَ بِمَفْهُومِهِ الْمُتَعَارَفِ الْمُخْتَلَفِ فِي اعْتِبَارِهِ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ إِنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ مَهْجُورٌ بَلِ الْمُرَادُ بِمَفْهُومِهِ فِي كَلَامِ الْمُظْهِرِ الْمَعْلُومِ فِي الْعِبَارَةِ ثُمَّ قَوْلُ الطِّيبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ وَهِيَ كَفَّارَةُ الذُّنُوبِ بِالْبَلِيَّةِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>