للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ومسلم النيسابوري وأبي داود السجستاني وغيرهم مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ أَيْ أَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّيْءِ أَعْلَاهُ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُنَا تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ إِنَّمَا يُقَرِّرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ يَكُونُ مَوْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هو هُوَ أَنَّ الْبَعْثَ وَهُوَ الْإِرْسَالُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَيْ أَوَّلِهِ وَمَعْنَى إِرْسَالُ الْعَالِمِ تَأَهُّلُهُ لِلتَّصَدِّي لِنَفْعِ الْأَنَامِ وَانْتِصَابِهِ لِنَشْرِ الْأَحْكَامِ وَمَوْتِهِ عَلَى رَأْسِ الْقَرْنِ أَخْذٌ لَا بَعْثٌ فَتَدَبَّرْ

ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ مَنِ انْقَضَتِ الْمِائَةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدْ كَانَ قُبَيْلَ كُلِّ مِائَةٍ أَيْضًا مَنْ يُصَحِّحُ وَيَقُومُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَهُوَ حَيٌّ عَالِمٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ

وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ مِنْ تَخْصِيصِ الْبَعْثِ بِرَأْسِ الْقَرْنِ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْحُجَّةِ لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَهُ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَبْعُوثِ عَلَى الرَّأْسِ وَأَنَّ تَخْصِيصَ الرَّأْسِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةُ انْخِرَامِ عُلَمَائِهِ غَالِبًا وَظُهُورُ الْبِدَعِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِينَ

انْتَهَى كَلَامُهُ

(تَنْبِيهٌ آخَرُ) قَدْ عَرَفْتَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّجْدِيدِ إِحْيَاءُ مَا اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وَإِمَاتَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ

قَالَ فِي مَجَالِسِ الْأَبْرَارِ وَالْمُرَادُ مِنْ تَجْدِيدِ الدِّينِ لِلْأُمَّةِ إِحْيَاءُ مَا انْدَرَسَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَمْرَ بِمُقْتَضَاهُمَا وَقَالَ فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْمُجَدِّدُ إِلَّا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِمَّنْ عَاصَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِ إِذِ الْمُجَدِّدُ لِلدِّينِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ قَاصِرًا لِلسُّنَّةِ قَامِعًا لِلْبِدْعَةِ وَأَنْ يَعُمَّ عِلْمُهُ أَهْلَ زَمَانِهِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّجْدِيدُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ لِانْخِرَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ غَالِبًا وَانْدِرَاسِ السُّنَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ فَيُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى تَجْدِيدِ الدِّينِ فَيَأْتِي اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَلْقِ بِعِوَضٍ مِنَ السَّلَفِ إما واحدا أو متعددا انتهى

وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ يُبَيِّنُ السُّنَّةَ مِنَ الْبِدْعَةِ وَيُكْثِرُ الْعِلْمَ وَيُعِزُّ أَهْلَهُ وَيَقْمَعُ الْبِدْعَةَ وَيَكْسِرُ أَهْلَهَا

انْتَهَى

فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَدِّدَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ عَزْمُهُ وَهِمَّتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِحْيَاءَ السُّنَنِ وَنَشْرَهَا وَنَصْرَ صَاحِبِهَا وَإِمَاتَةَ الْبِدَعَ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَمَحْوَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>