أَيْ خُرُوجُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ نُزُولُهُ مِنِ السَّمَاءِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نزول عيسى بن مَرْيَمَ وَهَذَا الْمُنْكِرُ ضَالٌّ مُضِلٌّ وَسَيَأْتِي بَحْثُهُ
وَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ هَلْ جَاءَ التَّصْرِيحُ في الحديث بأن عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَلَّدَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ قُلْتُ نَعَمْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قال أمرنا رسول الله أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ قَالَ النجاشي لجعفر ما يقول صاحبك في بن مَرْيَمَ قَالَ يَقُولُ فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ
قَالَ فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ مَا يَزِيدُ هَؤُلَاءِ عَلَى ما تقولون في بن مَرْيَمَ مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ فأنا أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مَرْيَمَ وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ
امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُمُ الْحَدِيثَ
قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(وَالدُّخَانُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يوم تأتي السماء بدخان مبين وذلك كان في عهد رسول الله انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الدُّخَانَ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وقال بن مَسْعُودٍ إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا نَالَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ حَتَّى كَانُوا يَرَوْنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السماء كهيئة الدخان وقد وافق بن مسعود جماعة وقال بالقول الآخر حذيفة وبن عمر والحسن ورواه حذيفة عن النبي وَأَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا دُخَانَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ انْتَهَى
وقال القرطبي في التذكرة قال بن دِحْيَةَ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى قَضِيَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا وَقَعَتْ وَكَانَتِ الْأُخْرَى سَتَقَعُ وَتَكُونُ فَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ فَهِيَ الَّتِي كَانُوا يَرَوْنَ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ غَيْرِ الدُّخَانِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَشْرَاطِ وَالْعَلَامَاتِ وَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعَلَامَةُ أَنْ يَقُولُوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العذاب إنا مؤمنون) فَيُكْشَفُ عَنْهُمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِقُرْبِ السَّاعَةِ
وَقَوْلُ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النبي إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ عن رسول الله بخلافه