وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَافِعِ بن علبة وَأَبِي بَرْزَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَيْسَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَأَبِي أمامة وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ انْتَهَى
فَلَا يَخْفَى عَلَى كل منصف أن نزول عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ حَكَمًا مُقْسِطًا بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّهُ الْآنَ حَيٌّ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَمُتْ بِيَقِينٍ
وَأَمَّا ثُبُوتُهُ مِنَ الْكِتَابِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الزَّاعِمِينَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رفعه الله إليه فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ وَأَخْذَهُ وَهُوَ عِيسَى بِجِسْمِهِ الْعُنْصُرِيِّ لَا غَيْرُ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ رَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا يَضُرُّونَكَ من شيء وبرفع جسده حيا فسره بن عَبَّاسٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رُفِعَ حَيًّا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِنُزُولِهِ بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي قبل موت عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي تَفْسِيرِ بن كَثِيرٍ فَثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَمُتْ بَلْ يَمُوتُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَيُؤْمِنُ بِهِ كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ نُزُولَهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ لعلم للساعة
وقال الإمام بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ نُزُولُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا ليؤمنن به قبل موته أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَةُ وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ أَيْ أَمَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ السَّاعَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي آية للساعة خروج عيسى بن مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رسول الله أَنَّهُ أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا انْتَهَى