وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ لَمَّا سَرَقَتِ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ وَكَانَتِ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَجِئْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ إِلَى أَنْ قَالَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ فَقُلْنَا كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا إِكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ اللَّهِ الْحَدِيثَ وَلَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ رواية الليث عن يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ أَصْحَابُهُ وَلِمُوَافَقَتِهِ حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَذَكَرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فَقُطِعَتْ يَدُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِرْزٍ وَهُوَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَانْتَصَرَ له بن حَزْمٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ لِمَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ أَوْجَبَا الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ وَالْجَاحِدُ لِلْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِسَارِقٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسَّارِقُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ
كَذَا قال بن الْقَيِّمِ
وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَائِنَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّهُ آخِذُ الْمَالِ خُفْيَةً مَعَ إِظْهَارِ النُّصْحِ كَمَا سَلَفَ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَنْ مِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ ذِكْرُ الْجَحْدِ دُونَ السَّرِقَةِ بِأَنَّ الْجَحْدَ لِلْعَارِيَةِ وإن كان مرويا من طريق عائشة وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِذِكْرِ السَّرِقَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّهَا سَرَقَتْ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْمَذْكُورَةَ قَدْ وَقَعَ مِنْهَا السَّرَقُ فَذِكْرُ جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ لَهُ فَقَطْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْجَحْدِ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ بِحَالِهَا وَأَنَّهَا كَانَتْ مُشْتَهِرَةً بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَالْقَطْعُ كَانَ لِلسَّرِقَةِ
كَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَتَبِعَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ إِلَخْ فَإِنَّ ذِكْرَ هَذَا عَقِبَ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْهَا السَّرَقُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَّلَ ذَلِكَ الْجَحْدَ مَنْزِلَةَ السَّرَقِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ يَصْدُقُ اسْمُ السَّرَقِ عَلَى جَحْدِ الْوَدِيعَةِ
قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حديث بن عُمَرَ بَعْدَ وَصْفِ الْقِصَّةِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا أَنَّ الْقَطْعَ كان