الْحُكْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (وَلَا حَفَرْنَا لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةُ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ وَلِلْمَرْجُومَةِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يُحْفَرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يُحْفَرُ لَهُمَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُحْفَرُ لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْبَيِّنَةِ لَا لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْإِقْرَارِ
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا لِيَكُونَ أَسْتَرَ وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ بَلْ هُوَ إِلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ اسْتُحِبَّ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إِنْ رَجَعَتْ
فَالْقَائِلُ بِالْحَفْرِ لَهُمَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَلِمَاعِزٍ فِي رِوَايَةٍ وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَفِيرَةٌ عَظِيمَةٌ
وَأَمَّا الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحَفْرِ فَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَلِرِوَايَةِ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَيَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى (وَالْمَدَرُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ هُوَ الطِّينُ الْمُجْتَمِعُ الصُّلْبُ (وَالْخَزَفُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالزَّايِ آخِرُهُ فَاءٌ وهي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي حَدِيث مَاعِز هَلْ حُفِرَ لَهُ أَمْ لَا
فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرْجُم مَاعِز بْن مَالِك خَرَجْنَا بِهِ إِلَى الْبَقِيع فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْخَزَف فَاشْتَكَى فَخَرَجَ يَشْتَدّ حَتَّى اِنْتَصَبَ لَنَا فِي عُرْض الْحَرَّة الْحَدِيث
وَفِي صحيح مسلم أيضا عن بن بُرَيْدَةَ قَالَ جَاءَ مَاعِز بْن مَالِك إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي زَنَيْت فَأُرِيد أَنْ تُطَهِّرنِي فَرَدَّهُ
فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي قَدْ زَنَيْت فَرَدَّهُ الثَّانِيَة فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْله فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمهُ إِلَّا وَفِي الْعَقْل مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نَرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَة فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَة حَفَرَ لَهُ حُفْرَة ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَذَكَرَ الْحَدِيث
وَهَذَا الْحَدِيث فِيهِ أَمْرَانِ سَائِر طُرُق حَدِيث مَالِك تَدُلّ عَلَى خِلَافهمَا
أَحَدهمَا أَنَّ الْإِقْرَار مِنْهُ وَتَرْدِيد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَجَالِس مُتَعَدِّدَة وَسَائِر الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَجْلِس وَاحِد
الثَّانِي ذَكَرَ الْحَفْر فِيهِ وَالصَّحِيح فِي حَدِيثه أَنَّهُ لَمْ يَحْفِر لَهُ وَالْحَفْر وَهْم وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ هَرَبَ وَتَبِعُوهُ