قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُتَعَمِّقُ الْمُبَالِغُ فِي الْأَمْرِ الْمُتَشَدِّدُ فِيهِ الَّذِي يَطْلُبُ أَقْصَى غَايَتِهِ
انْتَهَى (فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ) أَيِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي رَضِيَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُونَ أَيِ النبي وَأَصْحَابُهُ (لِأَنْفُسِهِمْ) عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهُمْ) أَيِ الْقَوْمَ الْمَذْكُورِينَ (عَلَى عِلْمٍ) عَظِيمٍ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّنْكِيرُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (وَقَفُوا) أَيِ اطَّلَعُوا
وَقَوْلُهُ (بِبَصَرٍ نَافِذٍ) أَيْ مَاضٍ فِي الْأُمُورِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (كَفُّوا) بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ مَنَعُوا عَمَّا مَنَعُوا مِنَ الْإِحْدَاثِ وَالِابْتِدَاعِ (وَلَهُمْ) بِفَتْحِ لَامِ الِابْتِدَاءِ لِلتَّأْكِيدِ وَالضَّمِيرُ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِينَ (عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ) أَيْ أُمُورِ الدِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (أَقْوَى) قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ أَيْ هُمْ أَشَدُّ قُوَّةً عَلَى كَشْفِ أُمُورِ الدِّينِ مِنَ الْخَلَفِ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا) أَيِ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ (فِيهِ) مِنْ أَمْرِ الدِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (أَوْلَى) قُدِّمَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَيْ هُمْ أَحَقُّ بِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْخَلَفِ
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ (فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أَيِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْمُحْدِثُونَ الْمُبْتَدِعُونَ (لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى الْهُدَى وَتَقَدَّمْتُمُوهُمْ وَخَلَفْتُمُوهُمْ وَهَذَا صَرِيحُ الْبُطْلَانِ فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحِينَ هُمُ الَّذِينَ سَبَقُوكُمْ إِلَى الْهُدَى لَا أَنْتُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْهُدَى لَيْسَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
وَقَوْلُهُ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ جَوَابُ الْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ الْقَسَمُ أَوَّلَ الْكَلَامِ ظَاهِرًا أَوْ مُقَدَّرًا وَبَعْدَهُ كَلِمَةُ الشَّرْطِ فَالْأَكْثَرُ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْقَسَمِ دُونَ الشَّرْطِ فَيَجْعَلُ الْجَوَابَ لِلْقَسَمِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ لِقِيَامِ جَوَابِ الْقَسَمِ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ولئن قوتلوا لا ينصرونهم وقوله تعالى وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (وَلَئِنْ قُلْتُمْ) أَيُّهَا الْمُحْدِثُونَ الْمُبْتَدِعُونَ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ (إِنَّ مَا حَدَثَ) مَا مَوْصُولَةٌ أَيِ الشَّيْءَ الَّذِي حَدَثَ (بَعْدَهُمْ) أَيْ بَعْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ (مَا أَحْدَثَهُ) مَا نَافِيَةٌ أَيْ لَمْ يُحْدِثْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ) أَيْ سَبِيلِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ (وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ) أَيْ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى اتَّبَعَ أَيْ فَضَّلَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ
وَالْحَاصِلُ أَنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِضَلَالٍ بَلْ هُوَ الْهُدَى وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِسَبِيلِهِمْ
وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَذَلِكَ بَاطِلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ
وقوله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute