فَصْلٌ بَيْنَ مَفْعُولَيْ أَعْلَمَ (أَبْيَنُ أَثَرًا) مَفْعُولٌ ثَانٍ لَهُ (وَلَا أَثْبَتُ أَمْرًا) عَطْفٌ عَلَى أَبْيَنَ أَثَرًا (مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَبْيَنَ وَأَثْبَتَ عَلَى التَّنَازُعِ
يَقُولُ إِنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ هُوَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَأَثْبَتُ أَمْرًا فِي عِلْمِي مِنْ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ مُحْدِثَةٍ وَابْتَدَعُوهُ مِنْ بِدْعَةٍ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِمَّا أَحْدَثُوهُ وَابْتَدَعُوهُ أَبْيَنَ أَثَرًا وَأَثْبَتَ أَمْرًا مِنْهُ أَيْ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْإِقْرَارُ بِالْقَدَرِ مُحْدَثًا وَبِدْعَةً لُغَةً نَظَرًا إِلَى تَأْلِيفِهِ وَتَدْوِينِهِ فَإِنَّ تَأْلِيفَهُ وَتَدْوِينَهُ مُحْدَثٌ وَبِدْعَةٌ لُغَةً بلا ريب
فإن النبي لَمْ يُدَوِّنْهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ مُحْدَثًا وَبِدْعَةً بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَذَاتِهِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَذَاتِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ (لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ) أَيِ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (الْجُهَلَاءُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ ذَكَرَ (يَتَكَلَّمُونَ بِهِ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ (فِي كَلَامِهِمْ) الْمَنْثُورِ (وَفِي شِعْرِهِمْ) أَيْ كَلَامِهِمُ الْمَنْظُومِ (يُعَزُّونَ) مِنَ التَّعْزِيَةِ وَهُوَ التَّسْلِيَةُ وَالتَّصْبِيرُ أَيْ يُسَلُّونَ ويصيرون (بِهِ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ (أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ) فِي نِعَمِهِ (ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ) أَيِ الْإِقْرَارُ بِالْقَدَرِ (الْإِسْلَامُ بَعْدُ) مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ (إِلَّا شِدَّةً) وَإِحْكَامًا حَيْثُ فَرَضَهُ عَلَى الْعِبَادِ (وَلَقَدْ ذَكَرَهُ) أَيِ الْإِقْرَارَ بالقدر (رسول الله فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا حَدِيثَيْنِ) بَلْ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ (وَقَدْ سَمِعَهُ) أَيِ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ (منه) صلى الله عليه وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُونَ) أَيِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (فَتَكَلَّمُوا) أَيِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (بِهِ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ (فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ ضَعَّفَهُ تضعيفا عده تضعيفا (أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ) مِنَ الْأَشْيَاءِ لَمْ يُحِطْ مِنَ الْإِحَاطَةِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ (عِلْمُهُ) أَيْ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَمْ يُحْصِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنَ الْإِحْصَاءِ وَهُوَ الْعَدُّ وَالضَّبْطُ أَيْ لَمْ يَضْبِطْهُ (كِتَابُهُ) أَيْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ (وَلَمْ يَمْضِ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (قَدَرُهُ) أَيْ قَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَيِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَقَرُّوا بِالْقَدَرِ وَتَيَقَّنُوا بِهِ وَسَلَّمُوا ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ وَضَعَّفُوا أَنْفُسَهُمْ أَيِ اسْتَحَالُوا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا عَزُبَ وَغَابَ عَنْ عِلْمِهِ تَعَالَى لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ تَعَالَى وَلَمْ يَضْبِطْهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ أَمْرُهُ (وَإِنَّهُ) أَيِ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ (مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْجُهَلَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَذَكَرَهُ رَسُولُ الله فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَأَقَرَّ بِهِ الصَّحَابَةُ وَتَيَقَّنُوا به وسلموه واستحلوا نَفْيَهُ (لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ) أَيْ لَمَذْكُورٌ فِي القرآن المجيد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute