قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا حَكَاهُ مَعْمَرٌ عَنْهُ وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَمَا وَجَدْنَا فيها غير بيت من المسلمين قَالَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِذْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ وَعَدَ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ وَأَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ مِنْهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ وَجَدَهُ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْجَازًا لِلْوَعْدِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
قَالَ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنَ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا
فَإِذَا حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَكَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا
وَأَصْلُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ وَقَدْ يكون المرء مستسلما في الظاهر غير مننقاد في الباطن ولا مصدق وَقَدْ يَكُونُ صَادِقَ الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ انْتَهَى
وَحَاصِلُ مَا صَحَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُسْلِمِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ
والحديث سكت عنه المنذري
(لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكُفَّارِ الْمُتَكَفِّرِينَ بِالسِّلَاحِ يُقَالُ تَكَفَّرَ الرَّجُلُ بِسِلَاحِهِ إِذَا لَبِسَهُ فَكَفَرَ نَفْسَهُ أَيْ سَتَرَهَا وَأَصْلُ الْكُفْرِ السَّتْرُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَتَكُونُوا فِي ذَلِكَ مُضَاهِينَ لِلْكُفَّارِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ مُتَعَادُونَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَالْمُسْلِمُونَ مُتَوَاخُونَ يَحْقِنُ بَعْضُهُمْ دَمَ بَعْضٍ
وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ قَالَ سَأَلْتُ مُوسَى بْنَ هَارُونَ عَنْ هَذَا فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الرِّدَّةِ قَتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
(أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا) أَيْ نَسَبَهُ إِلَى الْكُفْرِ (فَإِنْ كَانَ) الرَّجُلُ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ الْكُفْرُ (كَافِرًا) فَلَا شَيْءَ