وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَالْوَعْدُ أَعَمُّ مِنَ الْعَهْدِ بِأَنَّ الْعَهْدَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْوَعْدُ مُوَثَّقًا والوعد أعم مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوَثَّقًا أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ عَلَى إِخْلَافِ الْوَعْدِ لَفْظَ الْإِخْلَافِ وَعَلَى إِخْلَافِ الْعَهْدِ لَفْظَ الْغَدْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَدْرَ أَشَدُّ مِنَ الْإِخْلَافِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَهْدَ أَشَدُّ وَأَوْثَقُ مِنَ الْوَعْدِ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) الآية
وأما العهد أعم مِنَ الْوَعْدِ فَبِأَنَّ الْوَعْدَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَا يَكُونُ لِشَخْصٍ آخَرَ وَالْعَهْدَ يُطْلَقُ على ما يكون لشخص آخرأو لِنَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل (أو كلما عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يؤمنون) فههنا عَهْدُهُمْ لَيْسَ إِلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) الآية فههنا مُعَاهَدَةُ الْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَلْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَأَمَّا الْوَعْدُ فَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا لِرَجُلٍ آخَرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ووعدتكم فأخلفتكم) الْآيَةَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وعدتنا على رسلك) الْآيَةَ
وَقَالَ تَعَالَى (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وعدتهم) الْآيَةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِ
فَلَعَلَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ الْحَافِظِ بِاتِّحَادِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَادَّةِ الْوَعْدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْوُثُوقِ وَغَيْرِ الْوُثُوقِ وكذلك إلى أنه لرجل آخرأو لِنَفْسِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) أَيْ شَتَمَ وَرَمَى بِالْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ
(لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ كامل أو
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذكر الشيخ بن القيم رحمه الله حديث لا يزاني الزَّانِي ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يَنْتَهِب نُهْبَة ذَات شَرَف يَرْفَع إِلَيْهِ النَّاس فِيهَا أَبْصَارهمْ حِين يَنْتَهِبهَا وَهُوَ مُؤْمِن وَزَادَ مُسْلِم وَلَا يَغُلّ حِين يَغُلّ وَهُوَ مُؤْمِن فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ وَزَادَ أَبُو بَكْر الْبَزَّار فِيهِ فِي الْمُسْنَد يَنْزِع الْإِيمَان مِنْ قَلْبه فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ في صحيحه عن بن عباس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم