(لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ (وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ) قَالَ الْعَلْقَمِيُّ أَيْ لَا تُحَاكِمُوهُمْ يَعْنِي لَا تَرْفَعُوا الْأَمْرَ إِلَى حُكَّامِهِمْ وَقِيلَ لَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيد يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَة فِي الطَّوْر الْأَوَّل
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيث حُذَيْفَة بِلَفْظٍ آخَر يَتَبَيَّن الْمُرَاد مِنْهُ وَأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِد وَأَنَّهُمَا مُتَصَادِقَانِ لَا مُتَعَارِضَانِ
فَرَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول الشَّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْن أُمّه وَالسَّعِيد مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ
فَأَتَى رَجُل مِنْ أَصْحَاب النبي يُقَال لَهُ حُذَيْفَة بْن أَسِيد الْغِفَارِيّ
فَحَدَّثَهُ بذلك من قول بن مَسْعُود
فَقَالَ وَكَيْف يَشْقَى بِغَيْرِ عَمَل فَقَالَ الرَّجُل الْعَجَب مِنْ ذَلِكَ
قَالَ سَمِعْت رَسُول الله يقول إذا مر بالنطفة اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بَعَثَ اللَّه إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعهَا وَبَصَرهَا وَجِلْدهَا وَلَحْمهَا وَعِظَامهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك
ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ أَجَله فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ رِزْقه فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك
ثُمَّ يَخْرُج الْمَلَك بِالصَّحِيفَةِ فِي يَده فَلَا يَزِيد عَلَى مَا أَمَرَ وَلَا يَنْقُص وَفِي لَفْظ آخر عنه سمعت رسول الله بأدنى هَاتَيْنِ يَقُول إِنَّ النُّطْفَة تَقَع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ يَتَصَوَّر عَلَيْهَا الْمَلَك قَالَ زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة حَسِبْته قَالَ الَّذِي يَخْلُقهَا فَيَقُول يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى فَيَجْعَلهُ اللَّه ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ أَسَوِيّ أَوْ غَيْر سَوِيّ فَيَجْعَلهُ اللَّه سَوِيًّا أَوْ غَيْر سَوِيّ ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ مَا رِزْقه مَا أَجَله مَا خَلْقه ثُمَّ يَجْعَلهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا
وَفِي لَفْظ آخَر أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُق شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّه لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه
فَدَلَّ حَدِيث حُذَيْفَة عَلَى أَنَّ الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة وَقْت تَصْوِيره وَخَلْق جِلْده وَلَحْمه وَعَظْمه وَهَذَا مُطَابِق لِحَدِيثِ بن مَسْعُود
فَإِنَّ هَذَا التَّخْلِيق هُوَ فِي الطَّوْر الرَّابِع وَفِيهِ وَقَعَتْ الْكِتَابَة
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَع بِالتَّوْقِيتِ فِيهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة قُلْت التَّوْقِيت فِيهِ بَيَان أَنَّهَا قَبْل ذَلِكَ لَا يَتَعَرَّض لَهَا وَلَا يَتَعَلَّق بِهَا تَخْلِيق وَلَا كِتَابَة فَإِذَا بَلَغَتْ الْوَقْت الْمَحْدُود وَجَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَتْ فِي أَطْوَار التَّخْلِيق طَبَقًا بَعْد طَبَق وَوَقَعَ حينئذ التقدير والكتابة وحديث بن مَسْعُود صَرِيح فِي أَنَّ وُقُوع ذَلِكَ بَعْد كَوْنه مُضْغَة بَعْد الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة وَحَدِيث حُذَيْفَة فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْد الْأَرْبَعِينَ وَلَمْ يُوَقِّت البعدية بل أطلقها ووقتها في حديث بن مسعود