قال بن الْقَيِّمِ سَبَبُ اخْتَلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ لَيْسَا بِقَضَاءِ اللَّهِ بَلْ مِمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ إِحْدَاثَهُ فَحَاوَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُخَالَفَتَهُمْ بِتَأْوِيلِ الْفِطْرَةِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الْإِسْلَامِ وَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْآثَارَ الْمَنْقُولَةَ عَنِ السَّلَفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ لَفْظِ الْفِطْرَةِ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ مُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ إِلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي أَوَّل بَاب وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ الْعِلْم بِعَمَلِهِمْ إِلَى اللَّه وَلَمْ يَقُلْ اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَسْتَقِرُّونَ أَوْ أَيْنَ يَكُونُونَ
فَالدَّلِيل غَيْر مُطَابِق لِمَذْهَبِ هَذِهِ الطائفة
وأما حديث أبي رجاء عن بن عَبَّاس فِي الْمَنْع مِنْ الْكَلَام فِيهِمْ فَفِي الْقَلْب مِنْ رَفْعه شَيْء
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا يَدُلّ عَلَى ذَمّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْم أَوْ ضَرَبَ الْأَحَادِيث فِيهِمْ بَعْضهَا بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَ مَعَ الَّذِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَلَامهمْ فِي الْقَدَر وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ بِعِلْمٍ وَحَقّ فَلَا يُذَمّ
الْقَوْل الثَّانِي أَنَّ أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ فِي النَّار
وَهَذَا مَذْهَب طَائِفَة وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى رِوَايَة عَنْ أَحْمَد قَالَ شَيْخنَا وَهُوَ غَلَط مِنْهُ عَلَى أَحْمَد وَسَبَب غَلَطه أَنَّ أَحْمَد سُئِلَ عَنْهُمْ فَقَالَ هُمْ عَلَى الْحَدِيث قَالَ الْقَاضِي أَرَادَ حَدِيث خَدِيجَة إِذْ سَأَلَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادهَا الَّذِينَ مَاتُوا قَبْل الْإِسْلَام فَقَالَ إِنْ شِئْت أَسْمَعْتُك تَضَاغِيهمْ فِي النَّار
قَالَ شَيْخنَا وَهَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَأَحْمَد أَجَلّ مِنْ أَنْ يَحْتَجّ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ حَدِيث عَائِشَة اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
وَالْقَوْل الثَّالِث إِنَّهُمْ فِي الْجَنَّة وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ سَمُرَة الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيّ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا} وَبِقَوْلِهِ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خَزَنَتهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّه مِنْ شَيْء} فَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ كُلّ فَوْج يُلْقَى فِي النَّار لَا بُدّ وَأَنْ يَكُونُوا قَدْ جَاءَهُمْ النَّذِير وَكَذَّبُوهُ وَهَذَا مُمْتَنِع فِي حَقّ الْأَطْفَال
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْلِيس {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تَبِعَك مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}