وَسُكُونِ الْهَاءِ (أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ) أَيْ مُتَغَيِّرَةُ لَوْنِ الْخَدَّيْنِ لِمَا يُكَابِدُهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالضَّنْكِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ السَّفْعَاءُ هِيَ الَّتِي تَغَيَّرَ لَوْنُهَا إِلَى الْكُمُودَةِ وَالسَّوَادِ مِنْ طُولِ الْأَيْمَةِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْعِ النَّارِ وَهُوَ أَنْ يُصِيبَ لَفْحُهَا شَيْئًا فَيَسْوَدُّ مَكَانُهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ قَدْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ فَتَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَصْنَعَ نَفْسَهَا لِزَوْجِهَا انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ السُّفْعَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنَ السَّوَادِ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَقِيلَ هُوَ سَوَادٌ مَعَ لَوْنٍ آخَرَ
وَفِي الصِّحَاحِ سَوَادٌ مُشَرَّبٌ بِالْحُمْرَةِ أَرَادَ أَنَّهَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا لِأَوْلَادِهَا وَتَرَكَتِ الزِّينَةَ وَالتَّرَفُّهَ حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ إِقَامَةً عَلَى وَلَدِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا ولم يرد أنها كانت من أصل الْخِلْقَةِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ (كَهَاتَيْنِ) أَيْ مِنَ الْأُصْبُعَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ دَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أَعْلَى مِنْ دَرَجَاتِ سَائِرِ الْخَلْقِ لَا سِيَّمَا دَرَجَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَالُهَا أَحَدٌ قُلْتُ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ إِشَارَةً إِلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَآحَادِ الْأُمَّةِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قُلْتُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا كَمَا سيجيء (وأومأ يزيد) هو بن زُرَيْعٍ أَيْ أَشَارَ بَيَانًا لِهَاتَيْنِ (امْرَأَةٌ) عَطْفُ بَيَانٍ لِامْرَأَةٍ سَعْفَاءِ الْخَدَّيْنِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ امْرَأَةٌ (آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ صَارَتْ أَيِّمًا لَا زَوْجَ لَهَا (ذَاتَ مَنْصِبٍ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ صَاحِبَةَ نَسَبٍ أَوْ حسب قاله القارىء (وَجَمَالٍ) أَيْ كَمَالِ صُورَةٍ وَسِيرَةٍ وَهِيَ صِفَةٌ لِامْرَأَةٍ وَأُرِيدَ بِهَا كَمَالُ الثَّوَابِ وَلَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ
وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَرْغُوبَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ (حَبَسَتْ نَفْسَهَا) فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ أَوْ صِفَةٌ أُخْرَى أَوْ حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ أَيْ مَنَعَتْهَا عَنِ الزَّوَاجِ صَابِرَةً أَوْ شَفَقَةً (عَلَى يَتَامَاهَا) وَقَالَ شَارِحٌ أَيِ اشْتَغَلَتْ بِخِدْمَةِ الْأَوْلَادِ وَعَمِلَتْ لَهُمْ فَكَأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا أي وقعت عليهم قاله القارىء
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرّ إِذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانك
وَفِي لَفْظ لَهُ إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي إِذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ اُنْظُرْ أَهْل بَيْت مِنْ جِيرَانك فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول يَا نِسَاء الْمُسْلِمَات لَا تَحْقِرَنَّ جَارَة لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِن شَاة