نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَهَلَّا عَاقَبْتَ نَمْلَةً وَاحِدَةً هِيَ الَّتِي قَرَصَتْكَ لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ لَهَا جِنَايَةٌ وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاصُ بِإِحْرَاقِ الْجَانِي وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ النَّمْلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[٥٢٦٦] (قَرَصَتْ) أَيْ لَسَعَتْ وَلَدَغَتْ (نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ) هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا سَيَجِيءُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَقِيلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ) أَيْ مَسْكَنِهَا وَمَنْزِلِهَا سُمِّيَ قَرْيَةٌ لِاجْتِمَاعِهَا فِيهِ (نَمْلَةٌ) أَيْ وَاحِدَةٌ (أَهْلَكْتَ أُمَّةً) أَيْ أَمَرْتَ بِإِهْلَاكِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ (مِنَ الْأُمَمِ) حَالَ كَوْنِهَا (تُسَبِّحُ) قَالَ النووي هذا الحديث محمول على أنه شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَجَوَازُ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ
وَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ بَلْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى نَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّمِيرِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لَمْ يُعَاتِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيقِهَا وَإِنَّمَا عَاتَبَهُ عَلَى كَوْنِهِ أَخَذَ الْبَرِيءَ بِغَيْرِ الْبَرِيءِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هذا النبي هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُ قَالَ يَا رَبِّ تُعَذِّبُ أَهْلَ قَرْيَةٍ بِمَعَاصِيهِمْ وَفِيهِمُ الطَّائِعُ فَكَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْحَرَّ حَتَّى الْتَجَأَ إِلَى شَجَرَةٍ مُسْتَرْوِحًا إِلَى ظِلِّهَا وَعِنْدَهَا قَرْيَةُ النَّمْلِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَمَّا وَجَدَ لَذَّةَ النَّوْمِ لَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَدَلَكَهُنَّ بِقَدَمِهِ فَأَهْلَكَهُنَّ وَأَحْرَقَ مَسْكَنَهُنَّ فَأَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ فِي ذَلِكَ عِبْرَةً لَمَّا لَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ كَيْفَ أُصِيبَ الْبَاقُونَ بِعُقُوبَتِهَا يُرِيدُ تَعَالَى أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ تَعُمُّ الطَّائِعَ وَالْعَاصِيَ فَتَصِيرُ رَحْمَةً وَطَهَارَةً وَبَرَكَةً عَلَى الْمُطِيعِ وَسُوءًا وَنِقْمَةً وَعَذَابًا عَلَى الْعَاصِي وَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ وَلَا حَظْرٍ فِي قَتْلِ النَّمْلِ فَإِنَّ مَنْ آذَاكَ حَلَّ لَكَ دَفْعُهَ عَنْ نَفْسِكَ وَلَا أَحَدَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْمُؤْمِنِ وَقَدْ أُبِيحَ لَكَ دَفْعُهُ عَنْكَ بِضَرْبٍ أَوْ قتل على ماله مِنَ الْمِقْدَارِ فَكَيْفَ بِالْهَوَامِّ وَالدَّوَابِّ الَّتِي قَدْ سُخِّرَتْ لِلْمُؤْمِنِ وَسُلِّطَ عَلَيْهَا وَسُلِّطَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا آذَتْهُ أُبِيحَ لَهُ قَتْلُهَا
وَقَوْلُهُ فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي يُقْتَلُ وَكُلُّ قَتْلٍ كَانَ لِنَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ تِلْكَ النَّمْلَةَ الَّتِي لَدَغَتْهُ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ فَهَلَّا نَمْلَتُكَ الَّتِي لَدَغَتْكَ وَلَكِنْ قَالَ فَهَلَّا نَمْلَةٌ فَكَأَنَّ نَمْلَةً تَعُمُّ الْبَرِيءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute