. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الصحابة ينقله خلف عَنْ سَلَف لِشِدَّةِ حَاجَة الْأُمَّة إِلَيْهِ أَعْظَم مِنْ حَاجَتهمْ إِلَى نُصُب الزَّكَاة فَإِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا تَجِب عَلَيْهِمْ زَكَاة وَالْوُضُوء بِالْمَاءِ الطَّاهِر فَرْض عَلَى كُلّ مُسْلِم فَيَكُون الْوَاجِب نَقْل هَذَا الْحَدِيث كَنَقْلِ نَجَاسَة الْبَوْل وَوُجُوب غَسْله وَنَقْل عَدَد الرَّكَعَات وَنَظَائِر ذَلِكَ
وَمِنْ المعلوم أن هذا لم يروه غير بن عمر ولا عن بن عُمَرَ غَيْر عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ فَأَيْنَ نَافِعٌ وَسَالِمٌ وَأَيُّوبُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَيْنَ أَهْل الْمَدِينَة وَعُلَمَاؤُهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّة الَّتِي مَخْرَجهَا مِنْ عِنْدهمْ وَهُمْ إِلَيْهَا أَحْوَج الْخَلْق لِعِزَّةِ الْمَاء عِنْدهمْ وَمِنْ الْبَعِيد جِدًّا أَنَّ تكون هذه السنة عند بن عُمَرَ وَتَخْفَى عَلَى عُلَمَاء أَصْحَابه وَأَهْل بَلْدَته وَلَا يَذْهَب إِلَيْهَا أَحَد مِنْهُمْ وَلَا يَرْوُونَهَا وَيُدِيرُونَهَا بَيْنهمْ
وَمَنْ أَنْصَفَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ اِمْتِنَاع هَذَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لِلسُّنَّةِ الْعَظِيمَة المقدار عند بن عُمَرَ لَكَانَ أَصْحَابه وَأَهْل الْمَدِينَة أَقْوَل النَّاس بِهَا وَأَرْوَاهُمْ لَهَا
فَأَيّ شُذُوذ أَبْلَغ مِنْ هَذَا وَحَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّحْدِيد أَحَد من أصحاب بن عُمَرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْده سنة من النبي فَهَذَا وَجْه شُذُوذه
وَأَمَّا عَلَيْهِ فَمِنْ ثَلَاثَة أوجه أحدها وقف مجاهد له على بن عُمَرَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا رَفْعًا وَوَقْفًا
وَرَجَّحَ شَيْخَا الْإِسْلَام أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَقْفه وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنه وَقْفه مِنْ طَرِيق مُجَاهِدٍ وَجَعَلَهُ هُوَ الصَّوَاب قَالَ شَيْخنَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهَذَا كُلّه يَدُلّ عَلَى أن بن عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّث بِهِ عَنْ النَّبِيّ وَلَكِنْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِحَضْرَةِ اِبْنه فَنَقَلَ اِبْنه ذَلِكَ عَنْهُ
قُلْت وَيَدُلّ عَلَى وَقْفه أَيْضًا أَنَّ مُجَاهِدًا وَهُوَ الْعَلَم الْمَشْهُور الثَّبْت إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ وَقْفًا وَرَفْعًا
الْعِلَّة الثَّانِيَة اِضْطِرَاب سَنَده كَمَا تَقَدَّمَ
الْعِلَّة الثَّالِثَة اِضْطِرَاب منه فَإِنَّ فِي بَعْض أَلْفَاظه إِذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ وَفِي بَعْضهَا إِذَا بَلَغَ الْمَاء قَدْر قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاث وَاَلَّذِينَ زَادُوا هَذِهِ اللَّفْظَة لَيْسُوا بِدُونِ مَنْ سَكَتَ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ
قَالُوا وَأَمَّا تَصْحِيح مَنْ صَحَّحَهُ مِنْ الْحُفَّاظ فَمُعَارَض بِتَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ حَافِظُ الْمَغْرِبِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْره
وَلِهَذَا أَعْرَضَ عَنْهُ أَصْحَاب الصَّحِيح جُمْلَة
قَالُوا وَأَمَّا تَقْدِير الْقُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ فَلَمْ يَصِحّ عن رسول الله فِيهِ شَيْء أَصْلًا
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَمُنْقَطِع وَلَيْسَ قَوْله بِقِلَالِ هَجَرَ فِيهِ مِنْ كلام النبي وَلَا إِضَافَة الرَّاوِي إِلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيث أَنَّ التَّفْسِير بِهَا مِنْ كَلَام يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ
فَكَيْف يَكُون بَيَان هَذَا الْحُكْم الْعَظِيم وَالْحَدّ الْفَاصِل بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام الَّذِي تَحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيع الْأُمَّة لَا يُوجَد إِلَّا بِلَفْظٍ شَاذّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِع وَذَلِكَ اللَّفْظ لَيْسَ من كلام رسول الله