للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

النَّجَاسَة وَسَرَيَانهَا مَعَ شِدَّة اِخْتِلَافهَا وَنَحْنُ نَعْلَم بِالضَّرُورَةِ أَنَّ حَرَكَة الْمُغْتَسِل تَصِل إِلَى مَوْضِعٍ لَا تَصِل إِلَيْهِ الْقَطْرَة مِنْ الْبَوْل وَنَعْلَم أَنَّ الْبَوْلَة الْكَبِيرَة تَصِل إِلَى مَكَان لَا تَصِل إِلَيْهِ الْحَرَكَة الضَّعِيفَة وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَل حَدًّا فَاصِلًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام

وَالَّذِينَ قَدَّرُوهُ بِالنَّزْحِ أَيْضًا قَوْلهمْ بَاطِل فَإِنَّ الْعَسْكَر الْعَظِيم يُمْكِنهُمْ نَزْح مَا لَا يُمْكِن الْجَمَاعَة الْقَلِيلَة نَزْحه

وَأَمَّا حَدِيث وُلُوغ الْكَلْب فَقَالُوا لَا يُمْكِنكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ خَالَفَهُ أَوْ قَيَّدَهُ أَوْ خَصَّصَهُ فَخَالَفَ ظَاهِره فَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مَنْ لَا يُوجِب التَّسْبِيع وَلَا التُّرَاب كَانَ اِحْتِجَاجه بَاطِلًا

فَإِنَّ الْحَدِيث إِنْ كَانَ حُجَّة لَهُ فِي التَّنْجِيس بِالْمُلَاقَاةِ فَهُوَ حُجَّة عَلَيْهِ فِي الْعَدَد وَالتُّرَاب

فَأَمَّا أَنْ يَكُون حُجَّة لَهُ فِيمَا وَافَقَ مَذْهَبه وَلَا يَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَهُ فَكَلَّا

ثُمَّ هُمْ يَخُصُّونَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي لَا تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ وَأَيْنَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيص ثُمَّ يَظْهَر تَنَاقُضهمْ مِنْ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاء رَقِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُنْبَسِط اِنْبِسَاطًا لَا تَبْلُغهُ الْحَرَكَة أَنْ يَكُون طَاهِرًا وَلَا يُؤَثِّر الْوُلُوغ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَمِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُتَضَايِق بِحَيْثُ تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ أَنْ يَكُون نَجِسًا وَلَوْ كَانَ أَضْعَاف أَضْعَاف الْأَوَّل

وَهَذَا تَنَاقُض بَيِّن لَا مَحِيد عَنْهُ

قَالُوا وَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُول بِالْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يُخَصِّصهُ بِمَا دُون الْقُلَّتَيْنِ وَيَحْمِل الْأَمْر بِغَسْلِهِ وَإِرَاقَته عَلَى هَذَا الْمِقْدَار وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يُشْعِر بِهَذَا بِوَجْهٍ وَلَا يَدُلّ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الدَّلَالَات الثَّلَاث

وَإِذَا كَانَ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ تَقْيِيد الْحَدِيث وَتَخْصِيصه وَمُخَالَفَة ظَاهِره كَانَ أَسْعَد النَّاس بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُلُوغ الْمُعْتَاد فِي الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي يُمْكِن إِرَاقَتهَا وَهُوَ وُلُوغ مُتَتَابِع فِي آنِيَة صِغَار

يَتَحَلَّل مِنْ فَم الْكَلْب فِي كل مرة ريق ولعاب نحس يُخَالِط الْمَاء وَلَا يُخَالِف لَوْنَهُ لَوْنه فَيَظْهَر فِيهِ التَّغَيُّر فَتَكُون أَعْيَان النَّجَاسَة قَائِمَة بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تُرَ فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ وَغَسْل الْإِنَاء

فَهَذَا الْمَعْنَى أَقْرَب إِلَى الْحَدِيث وَأَلْصَق بِهِ وَلَيْسَ فِي حَمْله عَلَيْهِ مَا يُخَالِف ظَاهِره

بَلْ الظَّاهِر أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي تُتَّخَذ لِلِاسْتِعْمَالِ فَيَلَغ فِيهَا الْكِلَاب فَإِنْ كَانَ حَمْله عَلَى هَذَا مُوَافَقَة لِلظَّاهِرِ فَهُوَ الْمَقْصُود وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَة لِلظَّاهِرِ فَلَا رَيْب أَنَّهُ أَقَلّ مُخَالَفَة مِنْ حَمْله عَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة

فَيَكُون أَوْلَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ

قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث النَّهْي عَنْ غَمْس الْيَد فِي الْإِنَاء عِنْد الْقِيَام مِنْ نَوْمه فَالِاسْتِدْلَال بِهِ أَضْعَف مِنْ هَذَا كُلّه فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى نَجَاسَة الْمَاء

وَجُمْهُور الْأُمَّة عَلَى طَهَارَته وَالْقَوْل بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَشَذِّ الشَّاذِّ وَكَذَا الْقَوْل بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا ضَعِيف أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَار الْقَاضِي وَأَتْبَاعه وَاخْتِيَار أَبِي بَكْر وَأَصْحَاب أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى فَسَاد الْمَاء

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النَّهْي عَنْ الْبَوْل فِيهِ لَا يَدُلّ عَلَى فَسَاده بِمُجَرَّدِ الْبَوْل فَكَيْف يغمس الْيَد فِيهِ بَعْد الْقِيَام مِنْ النَّوْم وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّهْي عَنْهُ فَقِيلَ تَعَبُّدِيّ وَيَرُدّ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ مُعَلَّل فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَده

<<  <  ج: ص:  >  >>