بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَهُ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ إلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ على الأرض كإقعاء الكلب لكن المراد ها هنا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ (إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَيْ بِالْإِنْسَانِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ
قَالَ وَضَبَطَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَمَنْ ضَمَّ الْجِيمَ فَقَدْ غلط ورد الجمهور على بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالُوا الصَّوَابُ الضَّمُّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ إِضَافَةُ الْجَفَاءِ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فقال بن عَبَّاسٍ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثَانِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ النَّهْيُ عَنْهُ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رواية علي وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَأَنَسٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْإِقْعَاءِ وَفِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ
وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السجدتين وحمل حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ قال وكذا جاء مفسرا عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُمِسَّ عَقِبَيْكَ إلْيَتَيْكَ
فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تفسير حديث بن عَبَّاسٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الِافْتِرَاشُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ وَأَمَّا جِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَسُنَّتُهُمَا الِافْتِرَاشُ وَجِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ السُّنَّةُ فِيهِ التَّوَرُّكُ
هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ