للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنَّمَا قَدَّمَ الدِّقَّ عَلَى الْجِلِّ لِأَنَّ السَّائِلَ يَتَصَاعَدُ فِي مَسْأَلَتِهِ أَيْ يَتَرَقَّى وَلِأَنَّ الْكَبَائِرَ تَنْشَأُ غَالِبًا مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا فَكَأَنَّهَا وَسَائِلُ إِلَى الْكَبَائِرِ وَمِنْ حَقِّ الْوَسِيلَةِ أَنْ تُقَدَّمَ إِثْبَاتًا وَرَفْعًا (وَأَوَّلَهُ واخره) المقصود الإحاطة (زاد بن السَّرْحِ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

[٨٧٩] (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (فَقَدْتُ) ضِدَّ صَادَفْتُ أَيْ طَلَبْتُ فَمَا وَجَدْتُّ (فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسِسْتُ بِيَدَيَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ (وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ) أَيْ قَائِمَتَانِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ الْمَسْجَدُ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ الْمَسْجَدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ فِي السُّجُودِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي حُجْرَتِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَسْجِدَ الْبَيْتِ بِمَعْنَى مَعْبَدِهِ وَالْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ

انْتَهَى (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) أَيْ مِنْ فِعْلٍ يُوجِبُ سَخَطَكَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أُمَّتِي (وَبِمُعَافَاتِكَ) أَيْ بِعَفْوِكَ وَأَتَى بِالْمُغَالَبَةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ بِعَفْوِكَ الْكَثِيرِ (مِنْ عُقُوبَتِكَ) وَهِيَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ السُّخْطِ وَإِنَّمَا اسْتَعَاذَ بِصِفَاتِ الرَّحْمَةِ لِسَبْقِهَا وَظُهُورِهَا مِنْ صِفَاتِ الْغَضَبِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) إِذْ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَعَكَ شَيْئًا فَلَا يُعِيذُهُ مِنْكَ إِلَّا أَنْتَ (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَصْلُ فِي الْإِحْصَاءِ الْعَدُّ بِالْحَصَى أَيْ لَا أُطِيقُ أَنْ أُثْنِي عَلَيْكَ كَمَا تَسْتَحِقُّهُ (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ

قَالَ الطِّيبِيُّ (عَلَى نَفْسِكَ) أَيْ عَلَى ذَاتِكَ

سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَيْفَ شُبِّهَ ذَاتُهُ بِثَنَائِهِ وَهُمَا فِي غَايَةِ التَّبَايُنِ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ ثَنَاؤُكَ الْمُسْتَحَقُّ كَثَنَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ فَصَارَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ مَرْفُوعًا

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَعْنَى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالرِّضَى وَالسُّخْطُ ضِدَّانِ مُتَقَابِلَانِ وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ فَلَمَّا صار إلى ذكر مالا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ لَا غَيْرَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ مِنْ بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ عِبَادَتِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ

وَقَوْلُهُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً

<<  <  ج: ص:  >  >>