السلام لِبَرَكَتِهِ وَذَكَرْتُ فِي اشْتِقَاقِهِ خَمْسِينَ قَوْلًا فِي شَرْحِي لِمَشَارِقِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَالدَّجَّالُ لِشُؤْمِهِ انْتَهَى
(وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) مَنْسَلِ الحياة والموت
قال بن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنَ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا عَلَى هَذَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ
وَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ إِنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدجال ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مَعَ قَوْلِهِ عَذَابُ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ
وَقِيلَ أَرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءَ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ وَبِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْحِيرَةِ وَهَذَا مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ لِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ دَاخِلٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَمَاتِ وَفِتْنَةُ الدَّجَّالِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا سُئِلَ مَنْ رَبُّكَ تَرَاءَى لَهُ الشَّيْطَانُ فَيُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ أَنِّي أَنَا رَبُّكَ فَلِهَذَا وَرَدَ سُؤَالُ التَّثَبُّتِ لَهُ حِينَ يُسْأَلُ
ثُمَّ أَخْرَجَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَقُولُوا اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مِنَ الْمَأْثَمِ) إِمَّا مَصْدَرُ أَثِمَ الرَّجُلُ أَوْ مَا فِيهِ الْإِثْمُ أَوْ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ (وَالْمَغْرَمِ) أَيِ الدَّيْنِ يُقَالُ غَرِمَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ ادَّانَ قِيلَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَدَانُ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدِ اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَغْرَمُ الْغُرْمُ وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ الْمَغْرَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَقَالَ قَائِلٌ) أَيْ عَائِشَةُ كَمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ (مَا أَكْثَرَ) بِالنَّصْبِ وَمَا تَعَجُّبِيَّةٌ (مَا تَسْتَعِيذَ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيِ اسْتِعَاذَتُكَ (إِنَّ الرَّجُلَ) الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ (إِذَا غَرِمَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَالْمُرَادُ اسْتَدَانَ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ (حَدَّثَ) أَيْ أَخْبَرَ عَنْ مَاضِي الْأَحْوَالِ لِتَمْهِيدِ عُذْرٍ فِي التَّقْصِيرِ (فَكَذَبَ) لِأَنَّهُ إِذَا تَقَاضَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْضُرْهُ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ يَكْذِبُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدهِ ويقول لي ما لغائب إذا حضر أؤدي دينك
وقال بن حَجَرٍ أَيْ حَدَّثَ النَّاسَ عَنْ حَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ فَكَذَبَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَحْمِلَهُمْ عَلَى إِدَانَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا أَوِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ لِيَرْبَحَ فِيهِ شَيْئًا يَبْقَى لَهُ قَبْلَ وَفَائِهِ (وَوَعَدَ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يَقُولَ أُعْطِيكَ غَدًا أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْفُلَانِيَّةِ (فَأَخْلَفَ) أَيْ فِي وَعْدِهِ وقال بن حَجَرٍ وَوَعَدَ بِالْوَفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute