فَإِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِهْمَالِ حَدِيثِ إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَلْ صَرِيحَهُ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ إِذَا وَصَلَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ وَكَبَّرَ وَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الشُّكُوكُ لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ فِي آخِرِ الْقِيَامِ ثُمَّ أَخَذَ يَقْرَأُ وَيُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ الْإِمَامَ الَّذِي قَدْ صَارَ رَاكِعًا فَقَدْ حَاوَلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي غَالِبِ الْحَالَاتِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثَيَّةِ مُهْمِلًا لِحَدِيثِ إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ
الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا لِأَحَادِيثِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِيجَابِ الرُّكُوعِ بِرُكُوعِهِ وَالِاعْتِدَالِ بِاعْتِدَالِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَصَلَ حَالَ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَ رُكُوعِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرِهَا وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ لَمْ يَرْكَعْ بِرُكُوعِهِ وَقَدْ يَفُوتُهُ أَنْ يَعْتَدِلَ بِاعْتِدَالِهِ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبٌ وَمُخَالَفَتُهُ حَرَامٌ
الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ قوله من أدرك الإمام على حاله فليصنع كما يَصْنَعُ الْإِمَامُ يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْكَوْنِ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَدْرَكَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَصْنَعُ مِثْلَ صُنْعِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ إِلَّا إِذَا رَكَعَ بِرُكُوعِهِ وَاعْتَدَلَ بِاعْتِدَالِهِ فَإِذَا أَخَذَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ عَلَى حَالَةٍ وَلَمْ يَصْنَعْ كَمَا صَنَعَ إِمَامُهُ فَخَالَفَ الْأَمْرَ الَّذِي يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ
وَإِذَا اتَّضَحَ لَكَ مَا فِي إِيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُؤْتَمِّ الْمُدْرِكِ لِإِمَامِهِ حَالَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي حَدَثَتْ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ فِي مُخَالَفَةِ ثَلَاثِ سُنَنٍ صِحَاحٍ كَمَا ذَكَرْنَا تَقَرَّرَ لَكَ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَدَّمْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤْتَمِّ وَهِيَ إِدْرَاكُ إِمَامِهِ مُشَارِفًا لِلرُّكُوعِ أو ركعا أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ مُخَصَّصَةٌ مِنْ أَدِلَّةِ إِيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَلْيَسْجُدْ مَعَهُ وَلَا يَعُدُّ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ لَاحِقًا بِتِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيَكُونَ رَابِعًا لَهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَفِي كَوْنِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بِذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ
وَفِي هَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ فَاشْدُدْ بِذَلِكَ وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مِنَ الْخَبْطِ وَالْخَلْطِ وَالتَّرَدُّدِ وَالتَّشَكُّكِ وَالْوَسْوَسَةِ
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ مِنَ الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ
قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ كَتَبَ فِي هَذِهِ فِي فَتَاوَاهُ أَرْبَعَةَ سُؤَالَاتٍ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا وَهَذَا آخِرُهَا وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ كَمَا تَرَاهُ وَاسْمُ الْفَتَاوَى الْفَتْحُ الرَّبَّانِيُّ فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ سَمَّاهُ بِذَلِكَ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute