وَالْحَدِيثُ وَإِنْ دَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ بين البول والاغتسال فيه لاعلى الْمَنْعِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُمِ الْبَوْلُ فِيهِ بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مسلم وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وفي لفظ النسائي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ
انْتَهَى
[٧٠] (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحُ الْمَنْعِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَوْلِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَغْتِسَلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ يَفْعَلُ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَخْرُجُ عَنْ كونه أهلا للتطهير لأن النهي ها هنا عَنْ مُجَرَّدِ الْغُسْلِ فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ بِمُجَرَّدِهِ وَحُكْمُ الْوُضُوءِ حُكْمُ الْغُسْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَالُوا وَالْبَوْلُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ فَكَذَا الِاغْتِسَالُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْهُمَا جَمِيعًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى هَذَا وَقَالَ إِنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ وَأُجِيبَ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ لَيْسَتْ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بَلْ مَصِيرُهُ مُسْتَخْبَثًا بِتَوَارُدِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَبْطُلُ نَفْعُهُ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الِانْغِمَاسِ لَا عَنِ الِاسْتِعْمَالِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ بَيْنَ الِانْغِمَاسِ وَالتَّنَاوُلِ فَرْقٌ
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَعَطَاءٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمِيعِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْوُضُوءِ
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَأُتِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَهُ أَيْضًا قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا يَعْنِي أَبَا مُوسَى وَبِلَالًا اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا
وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَهُ أَيْضًا قَالَ ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رسول الله إن بن أُخْتِي وَقَعَ أَيْ مَرِيضٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ الْحَدِيثَ
فَإِنْ قَالَ الذَّاهِبُ إِلَى نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْوُضُوءِ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ غَايَةُ مَا فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى طَهَارَةِ مَا تَوَضَّأَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ