وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى نَزَلَتْ
قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّسْخَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ على قول بن مَسْعُودٍ إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ وَكَانَ رُجُوعُهُمْ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى مَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ بَلَغَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدُوا الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِمْ فَخَرَجُوا إِلَيْهَا أَيْضًا فَكَانُوا فِي المرة الثانية أضعاف الأولى وكان بن مَسْعُودٍ مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ فلما رجعنا هل أراد الرجوع الأول والثاني
فَجَنَحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَالُوا كَانَ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ بِمَكَّةَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ وَقَوْمَهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّسْخُ وَقَالُوا لَا مَانِعَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ ثُمَّ تَنْزِلَ الْآيَةُ بِوِفْقِهِ
وَجَنَحَ آخَرُونَ إِلَى الترجيح فقالوا يترجح حديث بن مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ حَكَى لَفْظَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَلَمْ يحكه
وقال اخرون إنما أراد بن مَسْعُودٍ رُجُوعَهُ الثَّانِيَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إِلَى بَدْرٍ
وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ ثَمَانِينَ رَجُلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي آخِرِهِ فَتَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ بَدْرًا وَفِي السِّيَرِ لِابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَبَشَةِ لَمَّا بَلَغَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ وَحُبِسَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا فشهدوا بدرا فعلى هذا كان بن مَسْعُودٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِلَى هَذَا الْجَمْعِ نَحَا الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَقِفْ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ عَلَى مُسْتَنَدِهِ وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ رِوَايَةُ كُلْثُومٍ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ في أن كلا من بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حَكَى أَنَّ النَّاسِخَ قوله تعالى وقوموا لله قانتين انْتَهَى
(فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ) قَوْلُهُ نُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ لَيْسَ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا زَادَهُ الْمُؤَلِّفُ وَمُسْلِمٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ دِلَالَتَهُ عَلَى ضِدِّهِ دِلَالَةُ الْتِزَامٍ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْخِلَافُ فَلَعَلَّهُ ذُكِرَ لِكَوْنِهِ أَصْرَحَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ عَامِدٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ إِنْقَاذِ مُسْلِمٍ مُبْطِلٌ لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّاهِي وَالْجَاهِلِ فَلَا يُبْطِلُهَا الْقَلِيلُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَبْطَلَهَا الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ أَيْضًا كَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدِ أَوْ تَعَمُّدِ إِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لِسَهْوٍ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ أَوْ لإنقاذ مسلم