وَاجِبٌ أَمْ لَا فَقَالَ بِالْوُجُوبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ إِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ
اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمُلَازَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخِرُونَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ وَمُجَرَّدُ الْمُلَازَمَةِ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ
قال الشوكاني هذا هو الظاهر لاسيما مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا (أَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) أَيِ الْمُسَبِّحَةِ حِينَ الْجُلُوسِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ حَالَ التَّشَهُّدِ هَيْئَاتٌ الْأُولَى مَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ جَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ قَبَضَ ثنيتين مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلَّقَ حَلَقَةً ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا وَالثَّانِيَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ اليمنى على ركبتيه الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
وَالثَّالِثَةُ قبض كل الأصابع والاشارة بالسباحة كما في حديث بن عُمَرَ
وَالرَّابِعَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْمُؤَلِّفُ مِنْ حديث بن الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ وَالْخَامِسَةُ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ رواية أخرى عن بن الزُّبَيْرِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالْإِشَارَةِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يحمل الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْقَبْضُ كَمَا تقدم بيانه آنفا
وقد جعل الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا وَاحِدَةً قَالَ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَبَضَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْوُسْطَى كَانَتْ مَضْمُومَةً وَلَمْ تَكُنْ مَنْشُورَةً كَالسَّبَّابَةِ وَمَنْ قَالَ قَبَضَ اثْنَيْنِ أَرَادَ أَنَّ الْوُسْطَى لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصِرِ بَلِ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْقَبْضِ دُونَ الْوُسْطَى وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ فَإِنَّ الْوُسْطَى فِي هَذَا الْعَقْدِ تَكُونُ مَضْمُومَةً وَلَا تَكُونُ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصِرِ انْتَهَى
قُلْتُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إِنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِهَا جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْنَعُ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا انْتَهَى
وَقَالَ الطيبي وللفقهاء