هِيَ الضَّرْوَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ كَثْرَةِ دَوَرَانِهَا فِي الْبُيُوتِ وَدُخُولِهَا فِيهِ بِحَيْثُ يَصْعُبُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَطُوفُ عَلَيْكُمْ فِي مَنَازِلِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ فَتَمْسَحُونَهَا بِأَبْدَانِكُمْ وَثِيَابِكُمْ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَأَمَرْتُكُمْ بِالْمُجَانَبَةِ عَنْهَا
وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الرِّفْقِ بِهَا وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ فِي مُوَاسَاتِهَا وَالطَّائِفُ الْخَادِمُ الَّذِي يَخْدُمُكَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَجَمْعُهُ الطَّوَّافُونَ
قَالَ البغوي في شرح السنة يحتمل أنها شَبَّهَهَا بِالْمَمَالِيكِ مِنْ خَدَمِ الْبَيْتِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ عَلَى بَيْتِهِ لِلْخِدْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَجْرَ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ (وَالطَّوَّافَاتِ) وَفِي رواية الترمذي أو الطوافات
قال بن سَيِّدِ النَّاسِ جَاءَ هَذَا الْجَمْعُ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ مَنْ يَعْقِلُ
قَالَ السُّيُوطِيُّ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الذُّكُورِ الطَّوَّافِينَ أَوِ الْإِنَاثِ الطَّوَّافَاتِ وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ شَبَّهَ ذُكُورَ الْهِرِّ بِالطَّوَّافِينَ وَإِنَاثَهَا بِالطَّوَّافَاتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ جَوَّدَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ أَتَمَّ مِنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ جَوَّدَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَرِوَايَتُهُ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ
انْتَهَى
[٧٦] (أَنَّ مَوْلَاتَهَا) أَيْ مُعْتَقَةَ أُمِّ دَاوُدَ وَكَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً لِبَعْضِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ وَالْمَوْلَى اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ والمراد ها هنا بِالْكَسْرِ (أَرْسَلَتْهَا) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْمَوْلَاةٍ وَالْمَنْصُوبُ لِأُمِّهِ (بِهَرِيسَةٍ) فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ هَرَسَهَا مِنْ بَابِ قتل دقها
قال بن فَارِسٍ الْهَرْسُ دَقُّ الشَّيْءِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْهَرِيسَةُ وَفِي النَّوَادِرِ الْهَرِيسُ الْحَبُّ الْمَدْقُوقُ بِالْمِهْرَاسِ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ فَإِذَا طُبِخَ فَهُوَ الْهَرِيسَةُ بِالْهَاءِ وَالْمِهْرَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي يُهْرَسُ بِهِ الشَّيْءُ وَقَدِ اسْتُعِيرَ لِلْخَشَبَةِ الَّتِي يُدَقُّ فِيهَا الْحَبُّ فَقِيلَ لَهَا مِهْرَاسٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمِهْرَاسِ مِنَ الْحَجَرِ
كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ هَرِيسٌ كَأَمِيرٍ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْحُبُوبِ وَاللَّحْمِ وَأَطْيَبُهُ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَلَحْمِ الدِّيكِ
قَالَتْ أُمُّ دَاوُدَ (فَوَجَدْتُهَا) أَيْ عَائِشَةَ (فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا) أَيِ