للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: ما جاء في حديث الإفك عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: « … فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السّلميّ ثم الذّكوانيّ (١) من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه (وفي رواية فخمرت وجهي بجلبابي) حتّى أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها» (٢).

والأدله على هذه المسألة كثيرة جدا (٣) أكتفي بما ذكرت؛ لأنها ليست أصل البحث، وإنما الغرض بيان دور هذه القاعدة في الترجيج في هذا المثال وقد سبق والحمد لله.

٢ - ومن أمثلة هذه القاعدة - أيضا -: ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ} [النمل: ٨٨]. زعم بعض الناس أن هذه الآية تدل على أن الجبال الآن في الدنيا يحسبها رائيها جامدة: أي واقفة ساكنة غير متحركة، وهي تمر مر السحاب، وذلك دوران الأرض حول الشمس بل زعموا أن هذا التفسير هو المتناسب مع الإتقان المذكور بعده {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وإلا فالقيامة تخريب للعالم لا يتناسب مع الإتقان (٤).

وهذا القول مردود بهذه القاعدة، وذلك أن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال


(١) صحابي جليل قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم في قصة الإفك «ما علمت عليه إلا خيرا»، سكن المدينة وشهد الخندق والمشاهد، قتل في خلافة عمر في غزاة أرمينية شهيدا سنة تسع عشرة وقيل غير ذلك. الإصابة (٣/ ٢٥٠).
(٢) هذا جزء من حديث الإفك الطويل أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا. انظر الصحيح مع الفتح (٥/ ٣١٩) ومسلم، كتاب التوبة حديث رقم (٥٦). واللفظ‍ للبخاري والزيادة لمسلم.
(٣) قد استوعب أكثرها محمد بن أحمد المقدم، في كتابه القيّم عودة الحجاب القسم الثالث.
(٤) هذا قول دعاة التفسير العلمي المجرد، وعلى رأسهم طنطاوي جوهري في جواهره (١٣/ ٢٥٢)، وصاحب «الهداية والعرفان» ص ٣٠٢، ونقل هذا القول وردّ عليه العلامة الشنقيطي في أضواء البيان (٦/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>