للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية غريب، بل شاذ مردود بما في الصحيح. اهـ‍ (١).

وقال السيوطي: كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعدّدة، وطريق الاعتماد في ذلك أن ينظر إلى العبارة الواقعة فإن عبّر أحدهم بقوله: نزلت في كذا، والآخر:

نزلت في كذا، وذكر أمرا آخر، فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا سبب النزول -[إلى أن قال]- وإن ذكر واحد سببا، وآخر سببا غيره، فإن كان إسناد أحدهما صحيحا دون الآخر فالصحيح المعتمد. اهـ‍ (٢).

وأعني بالصحيح هنا رتبة القبول ويشمل الحسن بنوعيه، والصحيح بنوعيه.

وقولي: «الصريح» خرج به سبب النزول غير الصريح في السببية، فلا يعتبر مرجحا؛ لذلك جعل العلماء صيغة سبب النزول النظر الثاني في الترجيح بين أسباب النزول المتعددة إذا صحت، فالصريحة هي المقدّمة، والمعتمدة في السببية.

وأول من رأيته ذكر الصراحة في السببية، واعتبارها مرجحة، الإمام القرطبي - رحمه الله - المتوفى سنة إحدى وسبعين وستمائة.

قال - في تفسير قوله تعالى: {* وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ} [النساء: ٢٤]-:

وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرّج أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم عن وط‍ ء المسبيات ذوات الأزواج. اهـ‍ (٣). فهذا تنبيه من الإمام القرطبي على أن من أسباب النزول ما تكون صيغته صريحة، ومنها ما تكون غير صريحة.

ثم حدّد هذا المفهوم بشكل أكثر وضوحا ودقة بعد ذلك.


(١) فتح الباري (٨/ ٥٨٠) والذين في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشتكى فلم يقم ليلتين أو ثلاث فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لما أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب «ما ودعك ربك وما قلى» انظر الصحيح مع الفتح (٨/ ٥٨٠). وكذا أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير حديث رقم (١١٤).
(٢) الإتقان (١/ ٩١).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>