للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيد من اختار الإضمار في الآية قوله بحديث ضعيف، أخرجه الطبري وضعّفه فقال: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح ما قلنا في ذلك بما في إسناده نظر.

ثم ساق بسنده أن عبد الملك بن مروان (١) كتب إلى إنس بن مالك (٢) يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة (٣) قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، قال أنس: فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل - عليه السلام - عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل، وأخاف السبيل، واستحلّ الفرج الحرام فاصلبه (٤).

وهذه المسألة كما ترى من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأئمة، وهي من الأمثلة التي تنازعتها القواعد، فهذه القاعدة ترجح القول بأن الإمام مخير في أي عقوبة رآها من تلك العقوبات، والحديث ينازعها، وإن كان ضعيفا عند من يرى اعتماده في الترجيح.

وأمّا معارضة حديث الصحيحين للقول بتخيير الإمام، فليست ظاهرة، وليس نصا فيها، وإلا وجب المصير إليه؛ إذ هو محتمل، وخاصة أنه قد ثبت بنصوص


(١) هو: عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، الخليفة الفقيه، أبو الوليد تملك بعد أبيه الشام ومصر، واستولى على العراق، وجهز الحجاج لحرب ابن الزبير وولاه العراق، توفي سنة ستّ وثمانين، سير أعلام النبلاء (٤/ ٢٤٦).
(٢) هو: أنس بن مالك بن النضر بن حرام النجار، رواية الإسلام أبو حمزة الأنصاري، لازم النبي صلى الله عليه وسلم وكان في خدمته، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد وطول العمر، توفي سنة ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك، سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٩٥).
(٣) بجيلة: هي بطن عظيم ينتسب إلى أمهم «بجيلة»، وهم بنو أنمار بن أرش من القحطانية، يتفرعون إلى عدة بطون، منهم عرينة، انظر معجم قبائل العرب (١/ ٦٣).
(٤) جامع البيان (٦/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>