للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار هذا القول جماعة من المفسرين (١).

أما قاعدة: «يجب حمل كلام الله على المعروف من كلام العرب … » ترجّح أن {ما} في الآية مصدرية؛ وذلك لأن أكثر استعمالها في لسان العرب لغير بني آدم، فيكون النهي في الآية عن نكاح الآباء الفاسد الذي يتعاطونه في الجاهلية.

واستعمل هذه القاعدة في ترجيح هذا القول الإمام الطبري، وقال: إن ذلك هو المعروف من كلام العرب ولو كان المقصود النهي عن حلائل الآباء لقال: … ولا تنكحوا من نكح آباؤكم؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب؛ إذ كان «من» لبني آدم، و «ما» لغيرهم (٢).

وترجيح قاعدة أسباب النزول أولى؛ لأنها أغلب في الظن فهي قاعدة أثرية خاصة وأن المعنى الذي رجحته لم يخرج بالآية عن فصيح كلام العرب؛ لأن «ما» تأتي للعاقل كما تأتي لغيره سواء أكان المراد بها النوع والأوصاف، أو آحادهم - على الخلاف في ذلك - ولا يعدّ ذلك شذوذا أو استعمالا لما لا تعرفه العرب، بل هو من فصيح ما ورد عنهم (٣)، وكفاه صحة وفصاحة أن جاء به القرآن كما في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى} [النحل: ٦٢] فجاءت {ما} في هذه الآية لمن يعقل وهم البنات، وبهذا فسرها الإمام الطبري نفسه قال - رحمه الله -: ويجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم ويزعمون أن لهم الحسنى، الذي يكرهونه لأنفسهم البنات يجعلونهن لله - تعالى -.


(١) منهم ابن العربي في أحكام القرآن (١/ ٤٧٥)، والقرطبي في الجامع (٥/ ١٠٣)، والشنقيطي في أضواء البيان (١/ ٣٧٨)، وغيرهم واقتصر عليه آخرون كالرازي في تفسير (١٠/ ١٨)، وابن كثير في تفسيره (٢/ ٢١٤)، والشوكاني في فتح القدير (١/ ٤٤٢)، وغيرهم.
(٢) جامع البيان (٤/ ٣١٩).
(٣) انظر تقرير ذلك في الكتاب لسيبوبه (٤/ ٢٢٨)، والكشاف (٤/ ٢٥٨)، والبحر المحيط‍ لأبي حيان (٣/ ٥٧٤)، (٤/ ٦٤٥ - ٦٥١)، والدر المصون (٣/ ٦٣٥) و (٥/ ١٥٦)، والنحو الوافي (١/ ٣٥١ - ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>