للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهـ‍ (١) فجعلها موصولة لمن يعقل، فهذا إلزام له - على جلالة قدره - من قوله على تأصيله وترجيحه بين القاعدتين.

وكما جاء في قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١] ولا شك أن من المسبحين العقلاء، فهم داخلون تحت عموم {ما} (٢)، وكما جاء في قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي} [آل عمران: ٣٥] ولا شك أن ما في بطنها عاقل إما ذكرا أو أنثى.

وغيرها من الآيات.

فمن مجموع كلام الطبري في هذه الآيات وغيرها يظهر - والله أعلم - أنه أراد الترجيح بالأغلب من استعمال العرب في قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ}

[النساء: ٢٢]، وهذه القاعدة من القواعد المشتهرة عند الطبري، ويرجّح بها ويقررها كثيرا.

فإذا كان ذلك كذلك فالقاعدة الأثرية هي المقدّمة، خاصة إذا كان المعنى الذي تفسر به الآية مما عرف في العربية، ولم يخرج إلى الشذوذ والنكارة، وإن كان أقل استعمالا من الآخر، وذلك؛ لأنها مفيدة لغلبة الظن أكثر من الترجيح بالأكثر استعمالا في العربية.

ومن تنازع القواعد الأثرية مع قواعد السياق، تنازع قاعدة: «إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عن ذلك» مع قاعدة «تفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ» في تفسير قوله تعالى: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ} [الأحقاف: ١٠]، بعد أن حكى الطبري الخلاف في تفسيرالآية، ذكر ترجيحه مضمّنا تنازع القاعدتين والترجيح بينهما فقال: والصواب من القول في ذلك عندنا أن


(١) جامع البيان (١٤/ ٢١٦).
(٢) انظر تقرير الطبري لذلك في جامع البيان (٢٨/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>