الشافعي فتكثرت واختلفت وتشعبت ورأى كثيراً منها يخالف الحديث الصحيح حيث لم يبلغهم ورأى السلف لم يزالوا يرجعون في مثل ذلك إلى الحديث فترك التمسك بأقوالهم ما لم يتفقوا وقال هم رجال ونحن رجال. ومنها أنه رأى قوماً من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوغه الشرع بالقياس الذي أثبته فلا يميزون واحداً منهم من الآخر ويسمونه بالاستحسان وأعني بالرأي أن ينصب مظنة حرج أو مصلحة علة لحكم وإنما القياس أن تخرج العلة من الحكم المنصوص ويدار عليها الحكم فأبطل هذا النوع أتم إبطال وقال:"مَن استحسن فإنه أراد أن يكون شارعاً" حكاه ابن الحاجب في مختصر الأصول مثاله رشد اليتيم أمر خفي فأقاموا مظنة الرشد وهو بلوغ خمس وعشرين سنة مقامه وقالوا إذا بلغ هذا العمر سلم إليه ماله قالوا هذا استحسان والقياس أن لا يسلم إليه وبالجملة لما رأى في صنع الأوائل مثل هذه الأمور أخذ الفقه من الرأس فأسس الأصول وفرع الفروع وصنف الكتب فأجاد وأفاد واجتمع عليه الفقهاء وتصرفوا اختصاراً وشرحاً واستدلالاً وتخريجاً ثم تفرقوا في البلدان فكان هذا مذهباً للشافعي اهـ. ثم عقد باباً في الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي ونص محل الحاجة منه كان عندهم إذا وجد في المسألة قرآن ناطق فلا يجوز التحول منه إلى غيره، وإذا كان القرآن محتملاً لوجوه فالسنة قاضية عليه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله أخذوا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء كان مستفيضاً دائراً بين الفقهاء أو يكون مختصاً بأهل بلد أو أهل بيت أو بطريق خاصة، وسواء عمل به الصحابة والفقهاء أو لم يعملوا به. ومتى كان في المسألة حديث فلا يتبع فيها خلاف أثر من الآثار ولا اجتهاد أحد من المجتهدين، وإذا أفرغوا جهدهم في تتبع الأحاديث ولم يجدوا في المسألة حديثاً أخذوا بأقوال جماعة من الصحابة والتابعين ولا يتقيدون بقوم دون قوم ولا ببلد دون بلد كما كان يفعل من قبلهم، فإن اتفق جمهور الخلفاء والفقهاء على شيء فهو المقنع وإن اختلفوا أخذوا بحديث أعلمهم علماً وأورعهم ورعاً وأكثرهم ضبطاً أو ما اشتهر عنهم. فإن وجدوا شيئاً يستوي فيه قولان فهي مسألة ذات قولين، فإن عجزوا عن ذلك أيضاً تأملوا في عمومات الكتاب والسنة وإيماءاتها واقتضاءاتها وحملوا نظير المسألة عليها في الجواب إذا كانتا متقاربتين بادئ الرأي لا يعتمدون في ذلك على قواعد من الأصول ولكن