على ما يخلص إلى الفهم ويثلج به الصدر كما أنه ليس ميزان التواتر عدد الرواة ولا حالهم ولكن اليقين الذي يعقبه في قلوب الناس كما نبهنا على ذلك في بيان حال الصحابة. وكانت هذه الأصول مستخرجة عن صنيع الأوائل وتصريحاتهم، وعن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج يسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل بيننا من يحفظ عن نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به. وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه: إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيراً لك. ثم قال: وعن عبد الله بن عباس وعطاء ومجاهد ومالك رضي الله عنهم أنهم كانوا يقولون: ما من أحد إلا وهو مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبالجملة فلما مهدوا الفقه على هذه القواعد لم تكن مسألة من المسائل التي تكلم فيها من قبلهم والتي