إذاً في إبدال حرف بحرف غرض له سبحانه عدل إليه وساقه من أجله.
وهذه سنة مسلوكة وعادة مألوفة وطريقة مُتلئبة في هذه اللغة الشريفة لا يُنكرها إلا من نَزُر منها حظه وتخلفت عنها مداركه.
أرأيت حفظك اللَّه كيف حاز التضمين هذا الشرف الرفيع بتوجيه (رزق) إلى (اتجر) وعن طريق هذه العصا السحرية (في).
ولو قلنا ما قاله أصحاب الرأي الفطير بتناوب الحروف وتعاورها، لنفد مال اليتيم في سنوات معدودات، ثم مد يده ليتسول قبل أن يشتد عوده، ولو قيل: ما العلاقة بين المضمن والمضمن فيه؟ لقلت: التجارة سبب من أسباب الرزق ووسيلة من أحسن وسائله، فالعلاقة بينهما سببية. وبهذه الرؤية الواسعة لمكانة الحرف والنظرة الشمولية للنص نتفادى مطبَّات القائلين بالتناوب والتقارض.
فإن تحاميت رعاك اللَّه هذا المسلك الشاق مدعيا غموض حاله، ومتهيبا من ارتياض معاناته، لدعتْك كثافة الذهن إلى إنكار هذه اللطائف ولكنك إن طبنت له، ورفقت به، أولاك جانبه وأمطاك كاهله، ولكشفت عن أسراره.
وهذا غور آخر بطين نجتاحه لتزداد يقينا فيما ذهبنا إليه، وعُمقا في معرفته. قال سبحانه:(هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) قال الحسن: صراط إليَّ مستقيم. وقال مجاهد: الحق يرجع إلى اللَّه وعليه طريقه. وقيل:(على) فيه للوجوب. أي على بيانه وتعريفه والدلالة عليه نظيره (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) فالسبيل القاصد يرجع إلى الله. قال الشاعر: فهُنَّ المنايا أي واد سلكته ... طريقي عليها أو على طريقها