وجه التأويل، وما جاءت هذه الحروف إلا لفوائد ومعانٍ تخصها لتكسب المعنى نبلاً، وتظهر فيه مزية من الجهة التي هي أصح لتأديته، وأخص به وأكشف عنه، وأبهر في صناعته. ومثل هذا يعرفه البياني الذي خالط كلام الفصحاء وعرف مواقع استعمالهم وذاق حلاوة ألفاظهم، وأما النحوي الجافي فعن ذلك بمنقطع الثرى.
التحويليون وهم أصحاب الاتجاه العقلي يرون أن النظر في المعنى ملازم للنظر في الشكل والتركيب، ولا يرتضون الوقوف عند الوصف المحض الذي يراه الوصفيون من علماء اللغة وهم أصحاب الاتجاه النقلي وأن اللغة توقيفية من اللَّه سبحانه، بل يتعداه إلى تفسير الظواهر اللغوية تفسيرا عقليا، يدرسون الصوت والنظم والدلالة بأنواعها، لتتصل اللغة بالفكر مثلما اتصلت سابقا بالمنطق والفقه وعلم الكلام، ويشير هؤلاء إلى أن حروف المعاني تدخل في النظم، ولا تدل على معنى في العمق، إنما تؤدي في التركيب لونا من الزخرف أو إيقاعا في التنغيم الصوتي أو فائدة في التركيب كالتوكيد أو قوة الربط أو الإنابة عما وراءها يقول سيبويه: ليس زيدٌ ببخيل ولا جباناً. الباء دخلت على شيء، لو لم تدخل عليه لم يُخل بالمعنى ولم يُحْتج إليها. ألا تراهم يقولون: حسبك هذا وبحسبك هذا، فلم تغير الباء معنى، وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء. أ. هـ أي دخول الباء كخروجها، فدخولها لتوكيد المعنى وقوة الربط.
أقول: إن دخول الباء على بخيل نفت عنه أدنى درجات البخل وعدم دخولها على جبان لاحتمال بعض الجبن فيه أما البخل فمنتف عنه أصلا.
ويقول ابن جني: إذا قلت ليس زيد بقائم فقد نابت الباء عن (حقا)