و (ألبتَّةَ) و (غير ذي شك) وإذا قلت: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقا أو يقينا وإذا قلت: أمسكت بالحبل: فقد نابت الباء عن قولك: أمسكت مباشرا له وملاصقة يدي له. وإذا أكلت من الطعام فقد نابت (مِنْ) عن البعض وكذلك، بقية ما لم نسمه فإذا كانت هذه الحروف نوائب عما هو أكثر منها لم يجز من بعد ذا أن نتخرق عليها فننتهكها ونجحف بها.
وأختم حديثي عن دعوى الزيادة بأن لهذه اللغة أصولا وأوائل قد تخفى عنا وتقصر أسبابها دوننا كما قال ابن جني وسيبوبه.
فأقول: ما دام الحرف بعض الفعل من حيث كان مُعديا له وموصلاً، فهو جزء منه، أو كالجزء لقوة اتصاله به وشدة امتزاجه، فهو يعتده كالبعض له، فكيف ندعي زيادته؟!
هذه اللغة شهدت بحكمتها العقول، وتناصرت إليها أغراض ذوي التحصيل بوجه يقبله القياس، وتنقاد إليه دواعي النظر والإنصاف، فما خفي عنا فيها فلا نخِفُّ إلى نقضه، مما ثَبتَ اللَّه أطنابه وأحصف بالحكمة أسبابه، بل نتهم نظرنا فيه، ولا نسرع إلى إعطاء اليد بفتح بابه، ونتأتى له ما استطعنا، حتى نبلغ حاجتنا، ويفتح اللَّه لنا مغاليقه، فنفقه الغرض من ذكر هذه الحروف بقوة الباصرة وملاطفة التاول ودوام التأمّل وما ادعى زيادتها إلا مَن حمل هذه اللغة على ظاهرها، وصار إلى
احتذاء رسومها، أما من تمكن، فيها وتركح في وجوهها ونواحيها، فقد جعل
في هذه الحروف تحصينا لسلامتها، وتزاحما لأغراضها، وإثراء لمعانيها.