للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما وراءه وتوصلاً إلى إدراك ما هو له.

وحين يتعدى الفعل أو المشتق بغير حرفه فإن معناه لا ينكشف إلا من خلال وضعه في سياقاته المختلفة، فللسياق دوره في إيضاح المعنى، إنما يحتاج إلى لطف نظر، وقوة عارضة، وشدة تيقظ، فترفَّقْ به يُولك جانبه، ويُمطِك كاهله، ويشفعْ بشرح أحواله المحيطة به.

وحين قال بعض النحاة: لا معنى للحرف في نفسه كانوا في منتهى الصواب، ولكنهم أخطؤوا في التطبيق حين وقفوا على مفهومه اللغوي أو دلالته المعجمية لا الوظيفية، غفلوا عن القصد وخفي عنهم الغرض وما تتطلبه الفصحى من إعادة النظر في طريقة التناول، أوليست حروف المعاني روابط تُؤدي وظيفتها حين يُعرف موقعها في النظم؟ فهذا السيوطي يجعل للباء أحدَ عشرَ معنى، بل أوصلها بعضهم إلى الثلاثين لأنه عزلها عن سلطانها حين أزالها عن ولايتها.

فعلى الناظر في معاني الحروف أن يتكاسى في بيان مدلولاتها، وأن يعطي الحروف حقها عن ميزة وعلى بصيرة، ليس مُعتاصا ولا مُسترسلا، وأحكام معاقدها ومواردها في الأساليب البيانية المعجزة يدل على شرف هذه اللغة وسَدَاد عقول أصحابها، وتركُ النظر في وجوهها والإعراض عنها، وقلة المبالاة بها يُزري بالدارس ويغضُّ من قدْره، يقول ابن جني (١): هذا باب يتلقاه الناس ساذجاً مغسولاً من الصنعة، وما أبعدَ الصواب عنه، وذلك أنهم يقولون: إن (إلى) تكون بمعنى (مع) ويحتجون بقوله سبحانه: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) (٢) أي مع الله، ويقولون إن (في) بمعنى على ويحتجون بقوله


(١) الخصائص: ٢/ ٣٠٦.
(٢) الصف: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>